آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الخلاف.. العقلانية

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض الخلافات وسيلة، لتصفية جميع الحسابات دفعة واحدة، فهذه الفئة تتحين الفرصة للانقضاض على الخصم للقضاء عليه، من خلال استخدام مختلف الأساليب المشروعة، وغير المشروعة، نظرا لانعدام المثل الاخلاقية في الخلافات، وانتفاء القواعد الحاكمة في تحديد مسار الخصومة، وبالتالي فان الخصومة الشريفة ليست واردة على الاطلاق، الامر الذي يتمثل في نشر الغسيل الوسخ على الملأ، دون رادع او حياء، بحيث تتحرك الماكنة الاعلامية، لاثارة الملفات القديمة، بغرض توجيه ضربة قاضية للخصم.

الخلافات امور اعتيادية، وليست مستغربة على الاطلاق، نظرا لتباين وجهات النظر، وتباعد المصالح بين البشر، الامر الذي يترجم على شكل خصومة، سواء كانت مؤقتة او دائمة، بيد ان المشكلة تكمن في طريقة التعاطي مع الخلافات، والاليات المتبعة لتوظيفها، فالبعض يحرص على حصر الخلافات ضمن نطاق ضيق للغاية، نظرا لتفهم أسباب تلك الخصومة من جانب، وفتح المجال امام عودة العلاقات لسابق عهدها من جانب اخر، بينما يتعاطى البعض الاخر مع الخلافات بطريقة فجة وعنيفة، بحيث يعمد لقطع طريق العودة، وسد الطريق امام المساعي الهادفة، لإزالة أسباب التوتر، من خلال إطلاق حملة تشويه غير مسبوقة، والعمل على اثارة الملفات القديمة، مما يسهم في اتساع هوة الخلافات، وبالتالي نشوب حروب كلامية يصعب السيطرة عليها.

استغلال الخلافات الطارئة، ومحاولة تضخيمها، عبر استخدام الماكنة الاعلامية، عملية معروفة وغير مفاجئة، خصوصا وان البعض يحاول تصيد اخطاء الاخرين بطريقة سيئة، مما ينعكس على طريقة رسم شبكة العلاقات الخارجية، فالصداقة الدائمة ليست موجودة في قاموس حياة هذه الفئة، نظرا لاعتمادها مبدأ المصلحة في تقييم العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فان الخطأ الصغير او غير المقصود، يخلق مشكلة كبرى، بحيث تقود الى نشوب معركة كلامية، تقود الى تعميق الخلافات بشكل كبير.

وجود العقلانية عامل اساسي، في وضع الخلافات في الإطار الطبيعي، فالتعاطي بحكمة مع الخصومة، يمثل مدخلا ضروريا للتحكم في مسارها، خصوصا وان دخول أطراف عديدة يفاقم في تعقيد الامور، ويجعل عملية رأب الصدع غاية في الصعوبة، بمعنى اخر، فان التحرك لتطويق الخلافات، والحيلولة دون ظهورها للسطح، يمثل الخطوة الاولى باتجاه وضع الامور في النصاب الصحيح، لاسيما وان إزالة فتيل الخلافات تتطلب وجود عناصر قادرة، على التعاطي مع الاحداث الطارئة بشكل عقلاني، نظرا للاثار السلبية المترتبة على إرخاء الحبال، لدخول عناصر غير حكيمة على الخط.

العقلانية تفرض التعامل بالقيم الاخلاقية مع الخصم، لاسيما وان الفجور في الخصومة يتناقض مع المثل النبيلة، وبالتالي فان التحلي بالحكمة يساعد في نزع فتيل الخلافات، ومنع تمددها عموديا وأفقيا، مما يسبب انقطاع حبال الود في البيىئة الاجتماعية، خصوصا وان العناصر العاقلة تعمد لدراسة جميع الاحتمالات، قبل الأقدام على الخطوة، بهدف دراسة ردود الافعال، ومحاولة قراءة الوضع لمنع تدهوره بشكل كبير.

ان تفاقم الخلافات الصغيرة مرتبط بطريقة التعاطي معها، ومحاولة البعض استغلالها بطريقة غير اخلاقية، مما ينعكس على شبكة العلاقات الاجتماعية، الامر الذي يستدعي التحرك الجاد لترميم البيئة الاجتماعية، عبر تفهم الخلافات، وعدم اخراجها عن سياقها الطبيعي، خصوصا وان الخصومة عملية مرتبطة بالمصالح، والضغوط النفسية والاجتماعية، مما يتطلب ايجاد العذر لتفهم هذه الخلافات، بغرض وضع الإطار المناسب لمنع التمدد السلبي.

كاتب صحفي