آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 4:33 م

الثابت.. المتغير

محمد أحمد التاروتي *

الثوابت بمثابة القاعدة الصلبة، التي تقف عليها التحركات الانسانية، فالمرء ينظر لمجموعة الثوابت بشكل مختلف تماما عن المبادئ المتحركة، فالثواتب تشكل حصنا منيعا، لمواجهة التيارات الجارفة، التي تواجه الانسان في مسيرته الحياتية، خصوصا وان الافتقار للثوابت يعرض المرء للسير على غير هدى، مما يفقده الكثير من المكتسبات، ويحرمه من المحافظة على الامتيازات، وبالتالي فان محاولات القضاء على الثوابت هدف استراتيجي، لدى مختلف التيارات المتشابكة، نظرا لاثارها التدميرية على البيئة الاجتماعية، مما يدفع باتجاه تحريك جميع العناصر لنسف الثوابت، ومحاولة استبدالها بعناصر متحركة، تتمايل مع التيارات المختلفة.

بينما لا تشكل المتحركات او المتغيرات، خطورة كبرى على المصير المشترك، فهي خاضعة للتحولات الاجتماعية، والمستجدات الحياتية، وبالتالي فان عملية التلاعب في المتحركات ظاهرة طبيعية، نظرا لقدرة الفكر الانساني على الاستجابة لتلك التحولات، بيد ان عملية التأقلم تختلف باختلاف الوعي الانساني، فهناك بيئة اجتماعية قادرة على الاستجابة بشكل سريع، بينما لا تجد بيئات اجتماعية نفسها، في عجلة من التأقلم مع تلك المتغيرات، وبكلمة فان محاولة التفاعل مع المتحركات تكشف مستوى الوعي، لدى البيئة الاجتماعية.

خطورة التلاعب في الثوابت، تكمن في الاثار السلبية، لذا فان المجتمعات الانسانية تضع خطوطا حمراء للحفاظ على الثوابت، من اجل الحفاظ عليها ومنع التدخلات لنسفها، او التقليل من شأنها، الامر الذي يفسر الكثير من الصراعات البشرية على مر التاريخ، بمعنى اخر، فان النظرة للثوابت تختلف باختلاف الزمن، ومجموعة القيم الاخلاقية، فهناك بيئات اجتماعية تنظر لبعض الممارسات كونها ثوابت راسخة، مما يدفعها للدفاع عنها، وتقديم الغالي والنفيس، في سبيل الحفاظ عليها، ورفض جميع المحاولات للتشكيك فيها، او الحط من قدرها، فيما تنظر مجتمعات انسانية اخرى لتلك الممارسات كونها طارئة، وليست قيما ثابتة، الامر الذي يسهم في اندثارها، وعدم الالتفات اليها، وبالتالي فان المجتمعات البشرية تتعامل مع الثوابت وفقا للقناعات، وكذلك استنادا لمجموعة المبادئ الاخلاقية، الامر الذي يفسر طريقة التعاطي مع تلك الثوابت في المجتمعات البشرية.

التفاعل الايجابي مع المتحركات، يسهم في امتصاص الصدمات الاجتماعية، والتحولات الكبرى، فالموقف السلبي يفقد المجتمع القدرة على توظيف المتغيرات بالطريقة المناسبة، مما ينعكس بصورة مباشرة على الحركة الاجتماعية، فالمجتمع الواعي يتحرك وفقا للظرف الزماني، وكذلك الاستفادة من الامكانيات المتاحة، للحصول على المزيد من المكاسب، ومحاولة توجيه المتغيرات، لتفادي التصادم المباشر مع الثوابت، بينما النظرة السلبية وعدم التحرك في الوقت المناسب، يفقد المجتمع عنصر ”المناورة“، وبالتالي تفويت الفرصة لتسخير المتحركات لدعم الثوابت، بحيث تقود في النهاية الى المواجهة المباشرة، بين المتغيرات والثوابت، مما يدخل المجتمع في صراع داخلي بين الحفاظ على الثوابت، والاستجابة للتحولات الكبرى، الامر الذي يقود لحالة من الانقسام الاجتماعي، نظرا لوجود فريق يناصر المتغيرات، باعتبارها جزء من التطور الانساني، والاستجابة لمتطلبات العصر، وفريق ينظر للتحولات كونها خطرا كبيرا، نظرا للاثار التدميرية على مجموعة القيم الاخلاقية، بحيث تنعكس على شكل تيارات متضاربة، تحاول الانتصار لفكرتها عبر التشكيك في بعضهما البعض.

كاتب صحفي