آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

قبيح منك أن تعظ..!

الدكتور محمد المسعود

ومضت إلى جبل تخاله عاصم يعصمها عن الغرق..! وحسبته نجاة لها من ما تخاف وتحدر، ونزق الشباب يٌردي بالتهور.. فمع كل شهوة يرى نفسه فيها، ومع كل تمرد يعدها - حياة جديدة - تفتح له أبوابها.. وتعده بغنائمها إن لحظة الشهوة لحظة عمى، والمعصية تٌسكر كسكر الشراب..! وإن المواعظ كثيرة تجري على كل لسان، ويضرس على أطرافها كل سن.. وإن أقترب من اللبن والفطام..

حين يسقط ستر جارك، أغمض عينيك وأسرع بخطوات في البعد، وحين ينساب إلى أذنك - ما يكره أن تسمعه - أغلق أذنيك.. وتصامم. وما أقبح الموعظة هنا، وما أشنعها هناك ولو رقت..!.

قبيح منك أن تتكلم..! قبيح منك أن تقف..! قبيح منك أن تخبر جارك أنك رأيت ضعفه.. أو أبصرت ما يؤلمه رؤيتك.. أو تسمعه ما يوجع قلبه يقينه بأنك تعلم السيئة التي أجمل المواعظ فيها أن تشعره أنك لم تعلم عنها شيئا..!.

بمقدار عمق «المواعظ» يطل القبح من زمانها، ويطل قلة التهذيب في ذكر ما لا يحتاج أحد إليه، ولا يجهله أحد، وليس إليه حاجة..!.

قبل أن «تعظ» عظ نفسك أولا إن للأ باء وللأمهات قلوب ضعيفة أمام فقد بناتها وأولادها، رقيقة في حسها، شغوفة إلى رجعتهم، وإن كل فقد هو جامع لليأس كله، وللحزن بتمامه.. وإن القلب بعده لا يحوي غيره ولا يلتفت إلى سواه..!.

عظ نفسك.. الله أمر كليمه موسى أن يقول قولا لينا لفرعون الذي قال «أنا ربكم الأعلى».. وكان اللين والرقة واللطف، لعله يتذكر أو يخشى..!.

عظ نفسك..! إن نزوات الشباب تزول، والقلب يعود، والضمير يستيقظ.. بعد أن تدور رحى الشهوات والرغائب دورتها الكاملة فتنتهي النفس إلى ثمالة وشل، وسراب خادع..

فلا تغلق أيها الواعظ.. على حامل معصية بابا ينفتح على ربه، ولا تطرد أحدا من - رحمة ربك التي وسعت كل شيء - وتذكر أن الأنفاس بخواتيمها، وإنك لا تدري بخاتمة نفسك الأخير، ولحظتك الأخيرة. ولا تدري بخاتمة من تتوعده النار..!

أما «دعوى الكفر وغيرها» بات الجميع يستيقن أنها تأشيرة إقامة للبلدان التي ضاق صدرها بعدد النازحين إليها..

وفي نهاية كل قصة في حياتنا نحن أعجز من أن نهب الهدى لمن نحب، وأضعف من أن نمنع الضلالة وظلمة القلب والروح عنه..!

إن الله ينزل العباد منازلهم، فكل روح تتحرك بإرادة حرة نحو ما تستحق أن تكون عليه.

وفي هذا كله.. جميل أن يصمت الجميع..

لتمر الرزية خفيفة على أهلها، وكأن الناظر شريف في قلبه نبل التعامي.. وإن قدر الله توبة.. تركنا على الباب ستارة رقيقة تسترنا ولا تمنع الراجع من الدخول دون أستئذان من أحد إلى البيت الذي يحوي أصدق مشاعر الحب وأطهرها وأصدقها وأشرفها..