آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

روحه التي بين جنبيه‎

ما عساها الحروف أن تخط من سيرة سيدة العالمين، وهي التي حازت الكمال في فكرها الواعي الرشيد، فهذه كنوز الحكمة والكلمات المأثورة عنها يرشح منها الفهم وإدراك الحقائق واستيعاب الدور الوظيفي للإنسان في هذه الحياة، وإن لآليء الحكمة والدرر الصادرة منها لجديرة بالتدبر في معانيها، فنوليها كل الاهتمام والبحث لنحظى منها الخلاصات الرائعة.

وإن لقلبها ليمتليء طيبا وحبا لأمة أبيها المصطفى بل كافة الناس لينضح بالدعاء لهم في ظهر الغيب بالهداية والتوفيق، ورقة ورأفة ذاك الفؤاد وسعت آلام المحتاجين فبلسمت همومهم ولم تكن بالتي تتأخر في تلبية احتياجهم، وما كان عطاؤها إلا في أرقى درجات الكرم والبذل فكانت تؤثر الغير على نفسها، وهذا كتاب الله عز وجل يشيد ببيت قامت أركانه على الإيمان والإيثار والذي سجلته آيات سورة الإنسان، فالعمر القصير الذي قضته مولاتنا الزهراء شعت منه أنوار الفكر يهتدي به من امتلك وعيا وطلب رشدا إلى الحقيقية والفضيلة ومكارم الأخلاق وأسس التعامل الحسن مع الآخرين في محيطه الأسري والاجتماعي، فلا يمكن لمن طلب الهدى أن يتخطى النهج الفاطمي والذي يمثل امتدادا واستمرارا لخطى النبوة في كل الصفات الكمالية من العصمة والعلم والحلم والبذل الإيثاري والصبر وتحمل المتاعب والابتلاءات في طريق التبليغ.

وللنساء نعمة إلهية كبرى إذ قدمت لهن قدوة يتأسين بها في الحفاظ على الكرامة الإنسانية وأسس الحشمة والرصانة والنزاهة عن الرذائل والمعايب، فلا تذهبن المذاهب بالمرأة المعاصرة في تبيان طريق تكاملها وقوة شخصيتها بتلك الشعارات البراقة والعبارات الرنانة عن الحرية وإثبات الوجود، وذلك بالاندفاع الشديد نحو التفلت والتحلل والذي لا يعني إلا إلقاءها في مهاوي الهلكة والخسران، فبأي منطق ولسان تجيب ربها يوم تقف بين يدي الحساب تلك المرأة التي تخلت عن حجابها وانساقت إلى موجة التبرج والسفور، فلا شيء يحفظ ويصون شرفها كحجاب العفة وحفظ نفسها من تلصص خائنة الأعين وأصحاب القلوب المريضة، وإن مبدأ الحجاب والحشمة لا يتعارض مع دراسة المرأة وعملها المناسب لها أبدا.

وتلقى إشراقة الأنوار الزهرائية في محراب الطاعة والعبادة والشوق للجمال الإلهي، فقد كان أنس روحها الطاهرة في الانقطاع إلى الله عز وجل والعزوف عن زهرة الدنيا ونعيمها السرابي، فالدنيا تغر أصحاب النفوس الضعيفة ممن تملكتهم الرغبة الشديدة في نيل وتحصيل شيء من زخارفها، يفنون أعمارهم في الجمع والاقتناء ولا يتنبهون إلى خيبة مسعاهم إلا في لحظة الفراق والرحيل فلا ينفعهم التحسر والندم حينئذ.

وأما مولاتنا البتول فلم تكن صعوبة المعيشة بالنسبة لها إلا ميدان اختبار أبلت فيه خير البلاء، وتحملت مسئوليتها الأسرية بما توفر لديها من متاع منزلي بسيط جدا، إنها آية الصبر والشكر لله عز وجل، ففي خضم هذه الصعوبات لا تجد لسانها إلا معطرا بذكره سبحانه والثناء عليه، ولم تكن لذات الدنيا يوما لها محل في ذاكرتها لتتحسف على شظف الحياة أو فوات متاعها الزائل!

لقد ضربت سيدة نساء العالمين أروع الأمثلة في تجسيدها لحياة الزهد وبساطة العيش، فبيتها المتواضع في بنائه كان لا يثمن بالذهب فيما احتواه من أنوار العبادة وطيب التعامل والتواصل الأسري، ولم تبخل بشيء تقدمه للفقراء والمحتاجين، ولم تتطلع إلى سعة في المعيشة أو تنظر وتقارن مع ما يمتلكه الآخرون، فعظمتها تمثلت - في أحد أوجهها - في قناعة النفس وصرف النظر عما في أيدي الناس.