آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:14 م

الكرامة الجريحة

المهندس أمير الصالح *

قد لا يلفت أو يعني عنوان المقالة اي شخص مدلل او تتماطر عليه نعم الله على مدار الساعة وحيثما حل دونما عناء منه او اي تكابدات جسدية او ذهنية او نفسية منه لا ستحصال تلكم النعم. استوقفتني مواقف انسانية في مواقع جغرافية متعددة من العالم، واحببت ان اشارك بسرد بعض المواقف لاستحضار المعنى الحقيقي لاهمية تفادي جرح كرامة الاخرين.

مشهد اول: عندما تشاهد في التلفاز ملايين من البشر يتركون مدنهم ويتجهون لدولة او دول اخرى مجاورة او بعيدة عن مواطنهم الاصلية نحو مصير مجهول طلبا للجوء بسبب ضنك العيش او افتقاد الامن او استحواذ القلة على الموارد او انعدام العدالة او افتقاد الحرية او وجود احتلال لأرضه. فاعلم ان حياتهم ومستقبلهم اصبح بائسا، حد الانسداد للآفاق في حياتهم وان كلمات التشجيع ومحاولة رفع المعنويات اضحت خاوية من معانيها لديهم. فلا تجرح كرامتهم بالتنظير لهم

عندما تشاهد على قنوات التلفزة، لجوء اسر وعوائل بأطفالهم بالالاف لبيوت خربة او خيام مهلهلة ويواجهون حر اللظى صيفا وقساوة البرد شتاءا في اراض عارية او على حدود محتبسة، وتوافد مراسلون الاخبار المحلية والصحف العالمية فانهم يشيحون بوجههم بعيدا عن شاشة التلفزة حياءا مما هم فيه او غضبا من خذلان البشرية لهم. فلا تزيد الجراح لكرامتهم بطول التحديق في وجوههم.

عندما تسمع عن تكالب مدير «او إداريين» فض غليظ جلف يمارس طاغوتيه وعنترياته وساديته على موظفين استؤمن على إدارتهم ويُنقل لك تكرارا اطلاق نداءات تهديد متكررة من قبل ذاك المدير بفصلهم /هن او السعي لتجميدهم / هن وظيفيا. فان سكوت الموظفين المطبق ينم عن افتقادهم الامل في كامل العدالة في المنظومة بمحل العمل وخارجه. فلا تجرح كرامتهم بالسؤال عن اسباب تجميدهم الوظيفي.

عندما تتصاعد الاصوات بالتخوين الوطني او الديني او الاجتماعي لطرف من اطياف البناء الاجتماعي الوطني في بلد ما، بعد تراكم ادلة استهدافه في كل مفاصل وجوده الاقتصادي والاجتماعي والديني والوطني؛ فلا تنكث الجراح لكرامته بالتهكم على وضعه.

عندما تسعى زوجة / زوج مخلصة / مخلص لخلق سعادة في داخل المنزل من خلال السعي الدؤوب بكل جهد واقتدار ويقابله الطرف الاخر بالجحود والنكران والمناكفة ب تكرار كلمة طلاق او طلب الطلاق او الاتهام بالتقصير. فيقينا بان الطرف المُضحي ينتابه خيبة الامل؛ فلا تزيد الالم في نفس كرامة الضحية بتقديم المزيد من الخنوع والتضحية كانك الحكيم الراشد.

كل هذا وذاك وغيرها من المواقف والامثلة، عزيزة على صاحب الكبرياء والكرامة واحترام الذات، عجزه عن دفعها لانها جرحت كرامته ومحك لوجوده. ويقال بان جرح الكرامة يوغر بالنفس عميقا مع تصاعد غمز المستبد وعبثه في مستقبل الضحايا. ولا ضير ان مات الضحية ان لم يستدرك ويتجاوز تلكم الازمة او المشكلة بتغير موقعه او النهوض لكرامته او السعي لرد الاعتبار لنفسه.

يقول العقلاء بصوت هادئ وخطاب هادف رزين لمن لا يعي معنى جرح الكرامة: رفقا بمن جُرحت كرامته لاسيما اذا كان يعيش بين اهله وفي مدينته او وطنه، فانه يتألم بشكل لا يحسد عليه ولنتذكر جميعا بان الاوطان تُهدم بتزايد وتيرة الخذلان وافتقاد الكرامة للأنسان. ونحمل البعض ممن حُمل امانة القلم بالكتابة عما يعيشه من الواقع عن اشياء محسوسة اهم الانسان في مجتمعه حيث خلق الوعي والمساهمة في تشكيل هوية حضارية جديدة ليهنئ الجمبع ويعيش في داخل نفسه ووطنة بكامل كرامته.