آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

مسئولية الكلمة

حياة الإنسان ليست مثارا للعب وقضاء وقته فيما لا فائدة منه، فعندما أكرمه الباري عز وجل بالعقل المفكر أراد منه أن يكون مدار توجيه بوصلة عمله وفق تلك المدركات، ولذا يتحمل المرء المسئولية في علاقته بربه والناس بعيدا عن الجهل والأهواء، وما يصدر منه من موقف يضعه أمام مرآة المحاسبة والتدقيق؛ بغية معرفة أوجه الخطأ والتقصير لتصحيحها وتداركها، وللكلمة منه حيز من المسئولية والنظر في نتائجها، فكما أن هناك الكلمة الخاطئة والمسيئة ايضا تتجلى منه الكلمة الطيبة والمفيدة والمعطاءة في ثمرتها، فهذه الكلمات النورانية تتجلى لنا في كتاب الله عز وجل وما تحمله الآيات الكريمة من قيم ومضامين عالية، علينا تدبرها واسترشادها في نهج الحياة ومجمل أعمالنا وعلاقاتنا، وللأحاديث الشريفة من الأنبياء والأئمة والصالحين حضور كبير في تنمية الفكر والشروع في مسلك الرشد والاستقامة، وقد سكبت عليها دروس العلماء العظماء وتأليفاتهم ومواعظهم حلل الإيضاح والتفريع، لإيصالها للعقول المسترشدة بكل سلاسة.

فالكلمة المتلقاة لها مسئولية النهل من عذب معين الشريعة الغراء ومنبثقات الحكماء والعلوم الحقة، ومن جهة أخرى يتحمل العلماء والنخب الثقافية والاجتماعية مسئولية التبليغ والتوجيه لما ينضج العقول ويعطي زادا وثروة علمية، فحركة الوعي المجتمعي التي قادها المصلحون على امتداد البشرية قادتها الكلمة المسئولة التي تثري وتزدهر معها طريقة التفكير المنطقي، في سبيل إيجاد الحلول المناسبة والمتاحة لمواجهة الظواهر السلبية والحد من انتشارها.

فلا يمكن إيجاد حالة الطمانينة والأمان في أجواء الاستهتار واللا مبالاة، أو عند ممارسة العنف اللفظي وتسخين الحوارات وتحويلها لصراعات وحلبة عرض عضلات، بل الكلمة المسئولة تنطلق من عرض وجهات النظر وإسنادها وإقامة قواعدها على أعمدة الاستدلال والبرهان، وبناء القناعات العقائدية والأخلاقية بمنطوق العقل الواعي لا الأهواء والعواطف، ولذا فإن مواجهة ظواهر الانحراف الفكري والشبهات أو مظاهر الانحلال الأخلاقي تتم من خلال تنمية الشعور بالمسئولية والتبصر بالنتائج الوخيمة لها.

والثقافة بجميع ميادينها الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية هي النور الذي يجلي ظلمة الجهل من العقول، وينطلق بها في فضاء الإثراء العلمي الذي يتسيد المجتمع المتحضر ويكون مؤشرا على تقدمه، ويتمكن من مواجهة مخاطر الغزو الثقافي والتدمير القيمي الذي يشكل تحديا كبيرا في وجه بنية الفرد والمجتمع، والكلمة اللامسئولة تزيد من حجم المشكلة وتضخمها، وأما الكلمة المسئولة فترشد الآخرين نحو المواجهة المناسبة والمدروسة، إذ هناك فريضة إلهية مهمة هي عنوان الفلاح ألا وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تبتني على الكلمة الموجهة بأسلوب مهذب هاديء، فما فائدة الحناجر ذات الصوت الصاخب الأجوف، والخالي من المعالجة المنطقية والمتمنهج بالتهور والمباهاة.