آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 3:54 م

ماءٌ ونار

ظللنَا الغمامُ في عصرِ أمس، كانت الشمسُ تظهر ساعةً وتغيب، وكأن الشمسَ عروسٌ قد أطلت من سُجُوف. رأينا الصغارَ والكبارَ جالسينَ يقتطعونَ ساعةً من أجملِ أيامِ شهر شباط، يستأنسونَ ببعضهم ويرمونَ شباكَ وخيوطَ الصيدِ في البحرِ الطامي رجاءَ أن تصطاد ولو صغيرَ السمكِ الذي كان يسخر من حبائلهم فلا يقربها. مشينا خطواتٍ قبل أن يستردَ طَفَلُ العَشِيّ في غروبِ الشمسِ واصَفرارِها ما بقيَ من ضوء ساعاتِ النهار.

ألا ترى أننا نعيشُ متناقضاتِ الحياة؟ في غيابِ الشمسِ صرنا نعد أيامَ الصفاءِ كأننا نستجدي القدر أن تغير الأيام طباعها! كلماتٌ في لغاتِ البشر متى اجتمعت كانت في اجتماع الأضداد، كلماتٌ مثل الماءِ والنار، والدنيا والصفاء تقترب من تضاد الخير والشر. يطفئ الماءُ النارَ في برودته وحجبه قابليةَ الاشتعالِ كما تسرقُ الدنيا من جل الأيامِ الصفاء والهناء. ذكرنا كيف أن الخليفةَ الأموي عبدالرحمن الناصر نقل عنه أحمد بن محمد المقري التلمساني في كتابه ”نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب“ العجائبَ في أيامِ الشدة والرخاء وأنه استقامت له الأندلس في سائرِ جهاتها بعد نيفٍ وعشرين سنة من أيامه ودامت أيامه نحو خمسينَ سنة ولما مات وُجد بخطه أيام السرورِ التي صَفَتْ له دونَ تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويوم كذا من كذا، وعُدَّتْ تلك الأيام فكانت أربعةَ عشرَ يوماً.

ضُمَّ ما استطعت من الأيامِ إلى أرقام أيام سرورك، يكفينا في الأيامِ أن يتمرد بعضها على الشمسِ فيحجبها ويعطي الفرصةَ لقطراتِ المطر أن تسقطَ وتبللَ أرواحنا قبل أطرافنا. مقاييسُ البسطاءِ في العالم ليومِ هناءٍ كسرةٌ من الخبز وسقفٌ يمنع المطرَ من طرقِ رؤوسهم وتحتَ هذا وذاك هل سيكون الغد أَمَرَّ من اليومِ أم سيأتي الغدُ أحلى؟ كانت مقاييسهم هي مقاييسنا وفي دورةِ الحياة علينا أن نعمل ألا تعودَ أيام البؤس والشقاء، فكما وصف بشار بن برد حال الأيام في وصفه للأصدقاء:

إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى

ظمئتَ وأي الناس تصفو مشاربه

خلاصةُ مداركنا أن لو قاسَ الناسُ أيامَ هناءهم بذاتِ القياس من خالصِ الصفاء، لربما لم يستطيعوا عد سوى ?حادِ الأيامِ في عشراتِ ومئاتِ السنين خالصةً لهم من كل قذى. ابعث إلى السرورِ رسولاً يأتيكَ في أبسطِ الأشياء وفي أسرعِ الأوقات فكل ما هو آتٍ يأتي.

مستشار أعلى هندسة بترول