آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

لطفا، اتجه نحو الحوار الحلوب

المهندس أمير الصالح *

نسمع كثيرا تعبير for the sake of argument وتعني بالترجمة الضمنية ”دعنا نتحاور من اجل اثراء النقاش“. هذه العبارة اسمع ترديدها واسجل صداها كثيرا لاسيما لدى بعض المجتمعات ذات الافاق الحوارية الهادفة العليا، لان الحوار الفكري الهادف في وعيهم الحواري هو بقرة حلوب مقدسة لدى بعض الشعوب المتمدنة الساعية نحو بلوغ الافضل والاحسن والارقى في ايجاد فرص الاستمتاع بفرص الحياة من خلال ايجاد اساليب انجع؛ وتكون لغة الحوار البناء هي الوسيلة لاستكشاف تلكم العوالم الناضجة؛ في المقابل ”في بعض مجتمعاتنا ان لم تكن الاغلب منها، النقاش والحوار اما بقرة ذبيحة او بقرة فطيسة“. مقتبس بتصرف ص35 اوراق الجنون.

شخصيا، بعد الانخراط في قروبات العالم الافتراضي والمكونة من عدة مكونات واطياف اجتماعية لاحظت في احيان كثيرة ان معظم النقاشات والحوارات تنتهي الى تنافر او تحزب او اصطفاف او تشرذم او شخصنة بين بعض الاطراف المتناقشة في هذا او ذاك الموضوع. ارتأيت انه في كثير من الاحيان اتباع سياسة النأي بالنفس عن بعض الاطروحات او الخوض في بعض المواضيع هو معالجة ذاتية لتقليل مستوى التأزم او تجنب جلب المشاكل او الانخراط في مشاريع غير معلومة القوام والاهداف. والتزمت في احيان كثيرة دور، in - active، الخامل لمراقبة مخارج الحوار وخواتيمها وعوائدها. وفي احيان كثيرة اُبسط موضوع البحث بيني وبين نفسي، بعيدا عن تجاذبات اعضاء القروبات لاستنطاق افكار تخدم معيشتي وتطور اساليب وانماط حياتي وتحسن مستوى معيشتي.

على سبيل المثال، اتذكر انه في عدة منتديات وملتقيات وديوانيات تم طرح موضوع الوصية وما قد يكرم الموصي به زوجتة ان الموصي ارتحل عن الدنيا قبلها على بساط الحوار. فلاحظت تضارب الاراء وتشنجها بين من يرى ضرورة تسجيل بعض املاك لزوجته وبين من يحجبها عن كل شي الا على مستوى التوزيع المختص بالثلثين؛ ويزعم اصحاب الرأي الثاني انه لكون كل شي سيأول لأبناء الزوجة «الزوجات» فانه اذا كان الاولاد وهم نتاج تربيت الزوجة بارين بها فانه ستحصد خيرات جهدها وان كان الأبناء غير بارين بها فهم نتاج سوء تربيتها وتستحق ما يقع عليها!

اخذت موضوع الحوار وأخضعته للنقاش الذاتي متسائلا بيني وببن نفسي عن كيفية اكرام الزوج لزوجته حين حياته وبعد الانتقال للعالم الاخر. وعن سيناريوهات إكرام الزوجة وحفظ

مكانتها في بيت الاب بعد انتقاله للرفيق الاعلى.

وفي موضوع اخر، ذات مرة اُثير نقاش حول وجودجهاز التلفاز في الديوانية او المجلس المخصص للجلوس واستضافة الضيوف. وتنافرت الآراء بين المتحاورين؛ شخصيا مررت بنفس التساءل منذ عقود وطرحت ذات السؤال على نفسي اثناء عمل تخصيص مواقع نقاط توزيع مقابس الكهرباء بالمنزل الذي أقطنه اثناء الانشاء والتعمير. فتشت في ذاكرة طفولتي فرأيت ان وجود التلفاز بالمجلس يكسر هدفية إنشاؤه وكما هو متعارف بان المجالس تُفتح لاثراء روح الالفة والروابط الاسرية او الاجتماعية وليس لمتابعة الاخبار او المسلسلات او المباريات. واعتمدت يومذاك عدم تركيب مقبس لجهاز التلفاز بالمجلس وام اثني قراري منذ اليوم الاول. منذ إحلالي بالمنزل وحتى الساعة يبادرني معظم الاصدقاء والاهل بالسؤال عند وفودهم الاول لمنزلي عن سبب عدم وجود جهاز التلفاز بالمجلس فاشرح لهم وجهة نظري والكثير منهم اقتنع بالفكرة وطبق ذاك والغى وجود التلفاز بالمجلس.

قد يكون في جعبة الاخرين الكثير من الامثلة والكثير من القرارات التي بُنيت على تحويل الموضوع المُناقش من النقاش العام حيث يكثر اللغط او الاستقطاب والتحاذب الى نقاش ذاتي بين الشخص ونفسه لا استخلاص مفاهيم وصياغة اهداف او اطلاق انشطة او اعداد برامج او صياغة ردود افعال situational reaction تلامس قناعات وامكانيات وقيم الفرد المعني. فكلا منا مُلزم بان يقتنع بما يفعله او يُصرح به او يُروج له ولكنه ليس مُلزم بان يقنع الاخرين بما هو مقتنع به. والفت انتباه الشباب القراء الى احد ساحات الاثراء المعرفي واحد مناجم القراءات المتعددة للموضوع الواحد ب الاطلاع المستمر على وقراءة صفحة وجهات النظر opinions او تعليقات القراء، readers’ comments، في الصحف العالمية والمحلية الجادة منها لانها بشكل عام تثري الحوارات وقد تفرز معالجات مقترحة رصينة وتكون في معظم الاحيان تحمل في طياتها معنى نقاش ثري ونافع وحلوب.