آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

التلوث السمعي

محمد أحمد التاروتي *

المفردات السيئة تخرب الذائقة السمعية، وتسهم في تلويث اللسان، وتخرجه من النسق السليم، الى الإطار غير المستقيم، مما ينعكس على مجموعة التصرفات الكلامية في التعاملات اليومية، بحيث تشكل تلك الكلمات الخادشة جزء من القاموس اليومي، نظرا لاعتمادها كأسلوب في التعامل في الحياة العامة، الامر الذي يقود الى خلق حالة من النفور، واحيانا تؤدي الى التصادم المباشر، نظرا للرفض التام لهذه السلوكيات الخارجة عن الذائقة الاخلاقية، باعتبارها جزء من الثقافة الساعية لتلويث البيئة السمعية، بمجموعة مفردات تتناقض مع القيم الاخلاقية الفاضلة.

استخدام المفردات الملوثة للذائقة السمعية، مرتبطة بمجموعة عوامل مكتسبة، ولكنها ليست قدرا محتوما على الانسان طيلة العمر، فالمرء يمتلك القدرة على احداث تغييرات جذرية، على مجموعة السلوكات اللفظية والعملية، بحيث يتحول من ضفة الى ضفة اخرى مغايرة تماما، فالإرادة القوية قادرة على اجراء تحولات كاملة في الرصيد اللفظي، الامر الذي ينعكس ايجابيا في شبكة العلاقات الاجتماعية، على الصعيد الفردي او الجمعي.

الألفاظ السيئة نتاج البيئة الاجتماعية الضيقة «الاصدقاء»، فالمرء لديه إمكانيات الالتقاط السريع، والبطئ على حد سواء، وكذلك القدرة على الاكتساب لمختلف الأشياء، الامر الذي يفسر وضع الكثير من الخطوط الحمراء، والمزيد من الضوابط في عملية الاختيار للأصدقاء، خصوصا وان الرفقاء يسهمون في تشكيل جزء من الهوية الثقافية، بحيث تظهر على شكل ممارسات سلوكية، لاسيما وان التقليد في اختيار المفردات يولد حالة لا شعورية، في ترديد بعض الكلمات الملوثة للسمع، وبالتالي فان رفقاء السوء يشكلون خطرا كبيرا، في غرس الكثير من المفردات غير الطيبة.

امتلاك المرء المناعة الذاتية، لمقاومة الملوثات السمعية، في البيئة الاجتماعية، عنصر اساسي في ابقاء اللسان نظيفا، في اختيار الكلمات المناسبة، سواء في التعاملات اليومية الضيقة، او في البيئة الاجتماعية الواسعة، فالمرء بامكانه ايجاد قواعد صارمة، تدفع باتجاه محاربة الملوثات السمعية على الدوام، من خلال الوقوف بحزم امام انتشار مثل هذه السلوكيات، وكذلك استخدام مختلف الوسائل للحد من انتشارها، الامر الذي يؤدي الى تجفيف منابع هذا الألفاظ الخارجة عن السياق العام، وبالتالي فان التفرج وعدم التحرك بشكل عملي، يقود الى تزايد مثل هذه الظواهر السلوكية السيئة بالمجتمع.

التربية الاسرية تلعب دورا مؤثرا، في استبعاد الملوثات السمعية بالأجواء العاىاية، خصوصا وان المرء بمثابة صفحة بيضاء، تكتسب جميع ما يكتب بداخلها، وبالتالي فان الاجواء الاسرية النظيفة تخلق حالة ايجابية على الدوام، بحيث تقود الى سلوكيات معاكسة للممارسات اللفظية السيئة، بمعنى اخر، فان الاسرة تمثل القناة الرئيسيّة لري البذرة الصغيرة، بالقيم الاخلاقية الفاضلة، والابتعاد عن الملوثات، والسلوكيات الخاطئة، بحيث ترسم صورة مشرقة في تكريس نظافة اللسان، عبر تجريم المفردات غير اللائقة.

القضاء على التلوث السمعي، يتطلب جهودا كبيرة، وبرامج قادرة على تنظيف الالسن، من المفردات غير الحسنة، فالعملية ليست سهلة على الاطلاق، نظرا لوجود عناصر تحاول تكريس الواقع الملوث في البيئة الاجتماعية، سواء لغايات شخصية، او نتيجة التربية غير السليمة، وبالتالي فان العملية تتطلب تحركا جادا، لتوجيه السلوكيات بالاتجاه الصائب، وعدم المشاركة في تسريب مثل هذه الألفاظ لدى الاجيال الناشئة، باعتبارها أدوات هدم في المستقبل على القيم الاخلاقية.

كاتب صحفي