آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

الشمس تبقى

المهندس هلال حسن الوحيد *

قوموا أيها لعاشقين كلكم فقد جعلت الدنيا يوماً لكم! نادوا رمم قيس وليلى وماني الموسس يبتهجوا ويصبغونَ الدنيا لوناً أحمرَ في أشعارِ التيهِ والهيام فيمن عشقوا! يهرب البشرُ من مصائبَ جلبوهَا لأنفسهم في أيامٍ خصوها بقداسة الحبِ والسلام، حب قلبين اختارا بعضهما. هل ترى أن يكون يومٌ من السنةِ في عشق المخلوق لله؟ أكاد أجزم أن هذا لن يكون.

انتصف شهر شباط، وأنا وأنتَ سوف نضع لنا محطاتٍ من الأيامِ حتى نصل إلى ألفِ يومٍ ويومْ، وربما وصلنا إلى ألفِ شهرٍ وشهر! أيامٌ قليلة ويأتي فصلُ الربيعِ وفيه تُجدد الطبيعةُ حللها في انتظارِ فصلِ الصيف. ننتظر الأيامَ والشهورَ كالطفل الذي يبتهج في انتظار الحلوى وينط فرحاً عندما تتكشف له الحلوى. ايامٌ نسأل في الألف منها عن أسرارها ولعلنا في اليوم الذي يلي الألفَ نجيب عما جال في خاطر من سبقونا مثل إيليا أبو ماضي:

إنّني أشهد في نفسي صراعاً وعراكا

وأرى ذاتي شيطاناً وأحيانا ملاكا

هل أنا شخصانِ يأبى هذا مع ذاك اشتراكا

أم تراني واهماً فيما أراه؟

لست أدري!

بينما قلبي يحكي في الضّحى إحدى الخمائل

فيه أزهارٌ وأطيارٌ تغني وجداول

أقبل العصر فأسى موحشاً كالقفر قاحل

كيف صار القلب روضاً ثمّ قفرا؟

لست أدري!

وكلما جادلنا في شيء نصل إلى حقيقةِ أن الشمس تبقى وتظهر كل يوم وتغيب. حركة تتأخر دقائق أو تتقدم لكنها مكرورةٌ يعتادها البشر، وفي طلوعها ومغيبها تدور حولَ محورها منتجةً الليلَ والنهار، وفي تحرك الأرض حولها في دورة كاملة 365 يوماً وربع، تأتي الفصولُ الأربعة.

وإن بقيت حكمةُ التكرار في أننا نحتاجه لنعرف ماذا سوف يكون عليه أمور حياتنا، فهل تخيلت أنه عليك ابتداع أشياءَ جديدة كل يوم؟ لابد أنك سوف تجزع. معدتنا تحتاج أن تأكلَ ذات الغذاء دون تقلبات، ساعاتُ نومنا في تكرار وما يتوقعه مشرفنا في العمل يجب أن نعتادهُ في حدوده الدنيا والعليا، لكن عقلنا يأبى التكرار ويموت في الركود. عقولنا تفكر وتعمل باستمرار، تكاد هي وقلوبنا تكون الأدوات التي لا تتوقف عن العملِ واليقظة وإن كنا نائمين. يأخذنا عقلنا في محطاتٍ حولَ العالمِ في مشاهدَ يبتدعها من وإلى العالمِ ال?خر هرباً من التوقف عن العمل والحركة وشغف المعرفة والتجريب، يدفعنا لنبقى ليومِ غدٍ المختلف شيئاً ما، فلا تبقى أيامنا نسخاً من بعضها.

في تغير الليل والنهار والفصول هروب من البقاء على حال، كيف ستكون الحياة لو كانت كلها ليل أو نهار؟ وكم سوف تتبلد أحاسيسنا لو كانت الفصول كلها فصلاً واحد؟ إذاً، هي الحياة تنادينا في وجهتها الثابتة والكلية نبقى، لكن خطوط السير المختلفة تجدد المشاهد وتبعث فينا الأمل في التغيير.

إن كنت لا تطرب لأخبار العاشقين فاليوم مستثنى فقد ورد في أخبار العاشقين من ماني وغيره الذي كان غناه ناظم الغزالي يوم كنا حديثي السن:

حجبوها عن الرياحِ لأني

قلتُ يا ريح بلغيها السلاما

لو رضوا بالحجابِ هان ولكن

منعوها يوم الوداعِ الكلاما

فتنفستُ ثم قلت لطيفي:
أهُ لو زرتَ طيفها إلماما
خصهَا بالسلامِ مني، فأخشى
يمنعوهَا لشقوتي أن تنامَا

مستشار أعلى هندسة بترول