آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

الوصاية.. النفاق

محمد أحمد التاروتي *

تختلف تفسيرات الموقف الجمعي تجاه القضايا الشائكة والبسيطة، انطلاقا من توقيت الموقف وردة الفعل، وكذلك استنادا للمسبقات الفكرية، مما يولد مواقف مؤيدة او معارضة، بحيث تقود المواقف الجمعية لنوع من الانفاق داخل النخب الفكرية، واحيانا تسري عدوى النفاق، في وسط البيئة الاجتماعية الضيقة والواسعة على حد سواء.

ممارسة الوصاية يصعب تصنيفها ضمن إطار النفاق الاجتماعي، لاسيما وان المنطلقات الفكرية تختلف باختلاف التوجهات الاجتماعية، مما يؤسس لقاعدة عدم إطلاق الاحكام الشمولية، باعتبارها خطيئة كبرى تولد حالة من الانقسام الداخلي، وبالتالي فان التعاطي مع المواقف يتطلب بعض التروي، وعدم الاستعجال، بهدف الإحاطة الكاملة بالدوافع، والاغراض الكامنة وراء اتخاذ الموقف الجمعي، الامر الذي يسهم في ايجاد نافذة لاستيعاب الموقف بطريقة عقلانية، بعيدا عن التجريح والتشكيك في النوايا.

ظاهرة المواقف الجمعية، لا تنطلق في الغالب من مبدأ ”حشر مع الناس عيد“، او ”مع الخيل يا شقرا“، فهناك العديد من المواقف الجماعي، تنطلق من المصلحة المشتركة بالدرجة الاولى، وبالتالي فان الموقف نابع من الحرص الشديد على التمسك بالجادة الصائبة، والوقوف امام محاولات الخروج عن الطريق السليم، خصوصا وان المواقف الجماعية تلعب دورا مؤثرا في اعادة الامور للجادة مجددا، سواء لإدراك البعض بصعوبة مخالفة الجماعة، والاثار المترتبة على الوقوف في وجه التيار، او نتيجة الإدراك بالخطأ الفادح في اختيار الطريق، وبالتالي فان الطريقة المثلى تكمن في ”الاعتراف بالخطأ“ والعودة باقل الخسائر.

الاتهامات بممارسة الوصاية، واستخدام الحجر على الفكر، تكون احيانا صائبة، واخرى خاطئة، فعندما يقف المجتمع امام مسيرة التنوير والتطور الفكري، فانه يرتكب جريمة كبرى في حق المسيرة البشرية، مما يستدعي الوقوف وعدم الرضوخ، امام تلك المواقف الخاطئة، وبالتالي فان الموقف القوي والرافض يبقى الخيار المناسب، لايقاف التيار الاجتماعي الخاطئ، بينما تكون الاتهامات زائفة وتحمل في طياتها مآرب مشبوهة، حينما تلقى جزافا بدون مبررات منطقية، فهذه الاتهامات تمارس لاسكات الضمير الجمعي، ومحاولة القضاء على المواقف الجماعي، تجاه القضايا الاجتماعية، بمعنى اخر، فان التمييز عملية ضرورة قبل إطلاق الاحكام، لاسيما وان الانصاف يلعب دورا حيويا، في تفادي في الوقوع في الاخطاء الجسيمة.

محاولة الخروج بموقف سلبي او إيجابي، تجاه المواقف الجمعية، يتطلب التحرر من المواقف المسبقة، او البحث في النوايا، فالنظرة الموضوعية تضع الامور في مكانها، بعيدا عن التضخيم او الإجحاف، وبالتالي فان محاولة الصاق التهم تنطلق احيانا من عمليات تبريرية، اكثر منها وقوفا الى الجانب الصائب، حيث يتحرك البعض طواعية لمساندة طرف دون الوقوف على التفاصيل، او الخفايا المحيطة بالقضية، مما يحدث حالة من الالتباس، وعدم وضوح الرؤية بشكل دقيق، الامر الذي يترجم على شكل إلقاء الاحكام جزافا، ومحاولة إطلاق الأوصاف في جميع الاتجاهات.

تبقى المواقف الجمعية محل اختلاف، وتباين في الاّراء، فالبعض يعتبرها ممارسة صحية، لاصلاح الاعوجاج في المسيرة الاجتماعية، والوقوف امام محاولات حرف الامور عن الجادة، فيما يصفها البعض بالوصاية غير المبررة، وتدخل سافر في تحديد الخيارات امام أفراد المجتمع، مما يستوجب ايقاف هذه الممارسات، وعدم اتخاذ الموقف المتفرج، نظرا لخطورة هذه الممارسات على التفكير الحر.

كاتب صحفي