آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

هاتوا الميزان!

في ساعةِ مولدي أعطت القابلةُ أمي أربعَ حقائب، وقالت لها: لا تخافي ولا تفرحي فهذه ليست إلا حقائب رحلةِ الدنيا، تعطيها القابلة لكل من يولد، كلما عمل الصغيرُ شيئاً تأخذه أحدُ الحقائب دونَ أن يشاء، وبعضها يستطيع أن يرميه في الطريق وبعضها يبقى في الحقيبةِ حتى نهايةِ الرحلة. قالت القابلة أنَّ علي أن أزنَ الحقائب عندما أصل الستين سنة وكتبت القابلةُ على الأولى:

العقل: وهو الذي سوف يعلمني ماذا علي أن أختار لأضعه في الحقائبِ الباقية، وأنني أُعطيت تقريباً وزن ما أعطي غيري من البشر. إن وضعت في هذه الحقيبة الأشياءَ الصحيحة سوف يثقل وزن باقي الحقائب إلا واحدة! بالعقل يمكنني أن أكون قادراً على التفكير المجرد واستخدام اللغة والنطق والتفكير الداخلي الذاتي وإعطاء حلولٍ للمشاكلِ التي أواجهها في الرحلة. كانت جملةُ الحكمةِ في الحقيبة ”إذا لم تعرف قيمةَ العقل فاسأل المجانين“.

وكتبت على الثانية ”الروح“: قالت إن كل إنسانٍ سوف يعرف في بعض أوقات الرحلة أنه لا قوةَ تنفعه إلا ما في الروح التي تقول له إن هناك قوة عظمى إن طلبتَ منها الخلاص من ورطتك أَجابتك، وهي التي يجب عليك أن تقولَ لها شكراً. العقل سوف يساعدك في معرفتها فلا تتهيب إلا من الحقيبةِ الرابعة! كانت جملةُ الحكمة في الحقيبة ”إذا لم تعرف قيمتي فاسأل المادة“.

والثالثةُ الجسد: الذي سوف يمدك بالقوة على حمل باقي الحقائب. ليس مطلوباً منك أن تفنيه في حملِ الروح والعقل ولكن مطلوبٌ منك أن تقوي العقل والروح ولو على حساب الجسد قليلاً. لا تظن أنّ مجرد امتلاكك جسداً قوياً، قادرٌ على الحركة، والعيشِ الطويل دون مرضٍ أو سقم هو مكمنُ قوتك بل ستكون قوتك في تطويع العالم بأسره ليكون خادماً لك. لكنك مهما حاولت سوف تتقادم تلك الحقيبة سريعاً وتهترئ، فحاول أن تجددها ما استطعتَ واستعن بالحقائب الأخرى إلا واحدة! كانت جملة الحكمة في الحقيبة ”إذا لم تعرف قيمتي فاسأل المرضى“.

وعلى الرابعة كتبت القابلة بخطٍّ عريض ”لا شيء“: وقالت لأمي راقبي الصغير وسوف تعرفين أنه  سوف يحب هذه الحقيبة، يأخذها معه أينما حل أو ارتحل، ويملؤها بكل شيءٍ ولو على نقيضِ وحساب الحقائب الأخرى. كانت جملة الحكمة في الحقيبة ”إذا لم تعرف خيبتي فاسأل من ماتوا“.

وها أنا قد بلغت الستين سنةً في الرحلة قلت: هاتوا الميزان لأرى صدق القابلة: وزنتُ الأولى ثم الثانيةَ ثم الثالثة ثم الرابعة، ولخيبتي قلتُ: آه لقد صدقت أمي القابلةُ ولم تكذبها. كانت الرابعة مليئةً وفاضت بالمناظر الجميلة والصور النادرة، ولكن ما أزعجني أنها ثقلت في أواخر سني الرحلة، حين ظننت أنني منشغلٌ بالثلاثِ الأوليات!

أليست هذه رحلة حياة البشر بين ثلاثِ قوى متشابكة ولا شيء؟

مستشار أعلى هندسة بترول