آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:25 م

الحرب الكلامية.. الاوراق الرابحة

محمد أحمد التاروتي *

تهدد الرئيس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالرد على أي نشر للأسلحة النووية متوسطة المدى في أوروبا، ليس فقط باستهداف الدول التي تُنشر فيها هذه الصواريخ بل وباستهداف الولايات المتحدة نفسها، يحمل الكثير من الدلالات ويعيد الحرب الباردة للواجهة مجددا بين موسكو وواشنطن، خصوصا بعد قرار أدارة ترامب الانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية مطلع فبراير الجاري، مما يعمق هوة الخلافات ويقضي على التفاهات القائمة بين البلدين.

الحرب الكلامية المستعرة بين موسكو وواشنطن تدخل ضمن تكريس النفوذ السياسي، ومحاولة اللعب بالأوراق العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية، لاسيما وان الطرفين ليسا في وارد الدخول في مواجهة مباشرة، نظرا للتداعيات الوخيمة الناجمة عن قرار هكذا، فالمصاعب الاقتصادية التي تواجه روسيا جراء العقوبات المفروضة عليها على خلفية الازمة الاوكرانية، تدفع باتجاه التقدم خطوة تصعيدية والتراجع خطوة باتجاه تبريد المواقف قليلا، بالاضافة لذلك فان إدارة ترامب تدرك جيدا المخاطر المترتبة على المواجهة المباشرة مع روسيا، مما يضع الامور ضمن سياق الحروب الكلامية.

إدارة ترامب تركز في سياستها الخارجية على معالجة ملفات اساسية، سواء في الشرق الاوسط او امريكا اللاتينية، بالاضافة للتركيز على الملف الاقتصادي لتنشيط المصانع الامريكية وتقليص البطالة، وبالتالي فان الدخول في حروب مباشرة جديدة ليست واردة وفقا للمعطيات الحالية، خصوصا وان العنصر الاقتصادي يحتل اولوية قصوى لدى إدارة البيت الابيض الحالية، مما يعزز الاعتقاد بحرص واشنطن على تبريد التوتر مع موسكو لادنى درجة ممكنة.

التصعيد الكلامي الحاصل بين الكرملين والبيت الابيض، يدخل ضمن سياسة الردع القائمة منذ عقود بين القوتين العظميين، فهذه السياسة ليست مستغربة مطلقا، نظرا لحرص واشنطن وموسكو على الاحتفاظ بالنقاط، ومواصلة سياسة التشدد قدر المستطاع، لاسيما وان الحروب الباردة من منتصف الأربعينات وحتى مطلع التسعينات من القرن الماضي، شكلت ابرز ملامح السياسة الخارجية بين المعسكر الغربي والشرقي آنذاك، وذلك قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وتلاشي الدول الدكتاتورية من القسم الشرقي بالقارة الاوروبية.

الدخول في سباق التسلح النووي مجددا بين واشنطن وموسكو، عملية مكلفة للاقتصادي الروسي والامريكي، فالبلدان يتحركان لتجاوز المصاعب الاقتصادية، خصوصا وان الحظر الاقتصادي على روسيا ينهك البلاد منذ سنوات، فضلا عن الركود الاقتصادي العالمي، مما يدفع باتجاه تقديم الملف الاقتصادي على الملف العسكري، بالاضافة لذلك فان ترامب يتحرك وفق سياسة اقتصادية انطلاقا من شعاره ”امريكا اولا“، الامر الذي يفسر القرارات التي اتخذها منذ فوزه في الانتخابات الامريكية، ولعل أبزرها الخلاف مع الكونغرس بخصوص تمويل الجدار مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين غير القانونيين، واعلان حالة الطوارئ للحصول التمويل المطلوب.

سياسة بوتين المتشددة تجاه المواقف الامريكية، تهدف لتكريس سياسة ”الند“، وعدم السماح بممارسة التفوق السياسي الامريكي، باستخدام الورقة العسكرية، الامر الذي يفسر اعلان موسكو قبل اشهر الدخول في برنامج عسكري كبير لمواجهة التفوق الامريكي، وبالتالي فان التهديد الروسي يمكن ادخاله ضمن سياسة الوقوف، في وجه الابتزاز الامريكي للحصول على التنازلات.

تبقى العلاقات الامريكية - الروسية غير المستقرة منذ الحرب العالمية الاولى، احدى المحركات للتصعيد المستمرة بين فترة واخرى.

كاتب صحفي