آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

الخطاب التصالحي

محمد أحمد التاروتي *

اللغة التصالحية قادرة على تبريد المشاكل، والدخول في حوار حقيقي، لإزالة اسباب التوتر والخصام، لاسيما وان اللغة التصادمية تستنزف الطاقات، وتزيد من الهوة بين مختلف الاطراف، مما يسهم في احداث انقسام كبير داخل البيئة الاجتماعية، الامر الذي يفرض انتهاج اليات قادرة على الاستقطاب، والتحرك المشترك، عوضا من العمل الاحادي البعيد عن الاهتمامات المشتركة.

الخطاب الجامع قادر على احداث تحولات جوهرية في التفكير الاجتماعي، خصوصا وان الثقافة التسامحية تلعب دورا محوريا في تشكيل النظرة الحياتية، مما يعزز الاتجاه التعاوني لاحتلال مواقع متقدمة، بدلا من الخطاب التصادمي، الذي يورث الكثير من التشوهات في جدار التفكير الاجتماعي، نظرا لسيطرة ثقافة الاخذ واستبعاد ثقافة العطاء، وبالتالي فان الحصول على النتائج الباهر في التفكير الاجتماعي، مرهون بالتجديد الدائم في اللغة التصالحية، باعتبارها احد المحركات باتجاه رسم مستقبل مغاير للوضع القائم.

البحث عن المشتركات في اللغة التصالحية، يولد حالة من التفاعل الإيجابي، خصوصا وان الاهداف المشتركة تحفز الجميع للسير قدما، باتجاه الوقوف عند الهموم المشتركة، والابتعاد عن نقاط الاختلاف، مما يعزز الثقافة التصالحية في المجتمع، نظرا لإدراك الجميع بوجود رغبة حقيقية في نبذ الخلافات، والتحرك الجاد نحو العمل الجامع، وبالتالي فان التجديد في الخطاب التصالحي عنصر حيوي، في بعث بذرة التعاون في النفوس، وطمس بذرة الفرقة بشكل نهائي.

التحرك الجامع مرتبط بوجود بوادر صادقة، لنزع الغام الخلافات على أنواعها، فاليد المدودة ستبقى تصفق لوحدها، بدون وجود اطراف قادرة على مصافحتها، وبالتالي فان الدعوات التصالحية لن تجد تفاعلا، بدون خطوات عملية على الارض، نظرا لوجود حالة من التوجس والخوف، من مرامي تلك الدعوات المفاجئة، والسريعة، الامر الذي يستدعي ابداء النوايا الحسنة، والرغبة الصادقة في تناسي الماضي، والتحرك باتجاه المستقبل بنظرة مغايرة تماما، من خلال اعتماد مبدأ ”المسامح كريم“، و”عفى الله عما سلف“، بحيث تكون هذه المبادئ سياسة ثابتة في العمل المستقبلي، بغرض احداث حالة من الطمأنينة، في النفوس المتوجسة والمشككة.

اطلاق اللغة التصالحية، يمثل تحولا جذريا في احداث تموجات كبرى، في الاتجاهات التصادمية، مما يجعلها في حالة من الإرباك، والتخبط في البداية، بغرض دراسة الظروف، والاسباب الكامنة وراء اطلاق هذه اللغة، وايقاف مختلف اشكال المفردات الخلافية، الامر الذي يحدث نوعا من المراجعة، ومحاولة التقدم خطوة للامام لمحاولة جس النبض، بيد ان الشعور بصدق النوايا يحدث انعكاسا، على مجمل السلوكيات الحياتية، مما يعطي حالة انفراجية عبر تهدئة النفس، وازالة الغموض المرتبط بسوء الفهم، وبالتالي فان الانفراج الداخلي سرعان ما يتحول الى انفتاح سلوكي، في التعاملات الخارجية، بحيث تبرز على شكل مواقف ذات مردود ايجابي في المرحلة الاولى، بيد ان ارتفاع منسوب الثقة في العلاقات الخارجية، يبدد الكثير من المخاوف، حيث تثمر على شكل تحولات جذرية في الخطاب التصادمي، ليكون اكثر تصالحيا، مما يساعد في تقليص الخلافات، والتركيز على الهموم المشتركة بالدرجة الاولى.

كاتب صحفي