آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

صناعة المعارك

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض وفق مبدأ افتعال المعارك الجانبية، باعتباره ”الزاد“ و”الاوكسجين“ الذي يمده بالحياه، الامر الذي يدفعه للاستماتة في سبيل ابقاء جذوة نيران العداء، مستعرة في النفوس على الدوام، بحيث يعمد لاختلاق الكثير من المشاكل، والعديد من الاحداث، للوصول الى مرحلة قطع حبائل الود، والوئام داخل البيئة الاجتماعية.

هذه الشريحة تحاول التستر وراء الاهداف الخاصة، باطلاق العبارات المعسولة والكثير من الوعود البراقة، بغرض احداث اختراق حقيقي في المجتمع، للحصول على الثقة في البداية قبل الشروع، في ترجمة مخططات اثارة الخلافات الداخلية، مما يدفعها لاستخدام مختلف الاساليب القذرة، لاحدث حالة من العداء في البيت الواحد، وبالتالي فانها تتحرك وفق اليات ومخططات قائمة على ”فرق تسد“، خصوصا وان التماسك الداخلي يعرقل الاهداف الشخصية الساعية للصعود، والاستفادة من صلاحيات الواجهة الاجتماعية.

اثارة النعرات والاحقاد على اختلافها، تمثل الطريقة المستخدمة في تخريب السلم الاهلي، ”الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها“، ”الفتنة اشد من القتل“، بمعنى اخر، فان ارباب الفتن يحاولون دراسة البيئة الاجتماعية، قبل الشروع في تنفيذ المخطط المرسوم، اذ يعمد هؤلاء للتعرف على التفاصيل الدقيقة، وكذلك الوقوف على مستوى العلاقات الاجتماعية، وغيرها من المعلومات الاخرى، لاسيما وان عملية الانخراط في سلك تضخيم الازمات، يتطلب الدراية الدقيقة، بغرض الضرب على الوتر الحساس، لاحداث الاثر السريع، والحصول على ردود الافعال الانفعالية، والانتقامية خلال فترة زمنية محددة.

وجود الارضية الخصبة لافتعال الازمات، تمثل الورقة الرابحة التي يتلاعب بها اصحاب الفتنة، اذ يحاول هؤلاء اللعب على التناقضات، واستغلال المساحات المتاحة، للقيام بالدور المطلوب، لاسيما وان الاستجابة السريعة تمثل المفتاح للحصول على النتائج المطلوبة، فالعملية مرهونة بآلية القبول بالدرجة الاولى، وبالتالي فان زعزعة الثقة في النفوس مرتبط بمدى الاستقبال، لدى الاطراف المختلفة، خصوصا وان تمرير المشاريع المشبوهة والساعية لافتعال المعارك يتطلب وجود بيئة قادرة على القبول.

افتعال الازمات سياسة مزمنة لدى بعض الاطراف غير القادرة على البروز بشكل طبيعي، فهي تلعب على وتر التسقيط والتشويه، للحصول على المكاسب الذاتية، خصوصا وان المنافسة النظيفة لا تصب في صالحها على الاطلاق، مما يدفعها لمحاولة الالتفاف على الطرق الطبيعية، والسعي للبحث عن الوسائل الملتوية، لتحقيق بعض المآرب الخاصة، بحيث تبرز على شكل مواقف صادمة ومستغربة، وبالتالي فان الامراض النفسية تشكل احدى الاسباب وراء اعتماد وسيلة ”الازمات“، لتدمير الانسجام الداخلي، واحداث فجوة واسعة، للعبور باتجاه المكاسب الشخصية، انطلاقا من مبدأ ”الغاية تبرر الوسيلة“، والمشي على آهات وعذابات الاخرين.

امتلاك الوعي، والقدرة على تمحيص الاطراف، الصادقة من الفئات الكاذبة، يمثل السبيل لاسكات اصحاب الفتن، وافشال تلك المخططات الساعية، لتفريق الصف وتخريب السلم الاهلي، خصوصا وان التحرك الواعي يحدث اثرا كبيرا في تدعيم البيت الداخلي، وبالتالي عدم فتح المجال امام الاطراف الاخرى للعب بالتوازن الاجتماعي، بغرض احداث شرخ كبير في جدار البيئة الاجتماعية، بعبارة اخرى، فان ايجاد المناخ الايجابي يمثل المخرج للوقوف امام اصحاب الاغراض المشبوهة، لاسيما وان خلق الازمات مرتبطة بالاستجابة غير الواعية، لبعض الاغراض غير النظيفة، مما يستدعي التوقف مليا للتعرف على بعض التحركات، غير المنسجمة مع الدعوات الجماعية.

كاتب صحفي