آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

عصفورٌ واحدٌ يصنع ربيع

هل فكرتَ أن تحزنَ يوماً فحزنت، ثم فكرتَ أن تركلَ الحياةَ برجلكَ ونسيتَ الحزنَ والألم؟ أنتَ تقلد ذاكَ العصفور الذي صنعَ ربيعاً مجهولاً. لا أنت ولا العصفور منفرداً يستطيع أن يجعلَ الربيعَ معرَّفاً في الألفِ واللام ليحيلَ الدنيا كلها إلى ربيع، لكن مهلاً إنما العيشُ في دوائرَ صغيرة تكبر ثم تتقاطع، أنت تصنع ربيعاً، ثم أنا ثم من حولنا ثم الدنيا كلها تكون ربيعاً.

إن عصفوراً واحداً لا يصنع الربيعَ أينما حل! تحتاج الدنيا أعداداً كبيرةً من العصافيرِ ليصنعوا الربيعَ ويُسمعوا الدنيا زقزقتهمْ. وفي هذا درسٌ للإنسانِ أنَّ رحلتهُ الشائكة في أزقةِ الحياةِ لن يستطيعَ أن يمشيها منفرداً وأنَّ شخصاً واحداً لا يستطيعَ أن يصنعَ سعادةً أو حضارة؟ ولن يستطيعَ إنسانٌ واحد أن يحيل الدنيا جحيماً لا يطاق، إرفع الستارَ ثم انظر!

يفتخر الإنسانُ على الزازيرِ أنه يملكُ عقلاً أكبرَ من عقلها مراتٍ ولكن عقلهُ الكبير الذي يملأ طاسةَ رأسِهِ طالما حرمهُ من الربيعِ الذي يستطيع صنعه في جماعاتٍ يستعين ويجتهد ثم يسعد بكلِّ طاقاتها. هجرةُ الزرازيرِ وحياةُ الإنسانِ ليست إلا نقاطاً في خطوطِ الزمن، لا يستطيع العصفور أو الإنسان أن يواصلَ عبورها وتحويلها إلى خطٍ مستقيمٍ بطول الزمن، إلا إذا اصطفَّ كتفاً بكتفٍ وجناحاً بجناح. ليس الفرد في ذاته فقط هو المسئول ولكن الإنسانيةَ بكليتها يجب أن تطيرَ وتُحلقَ مجتمعة.

تنفتح الدنيا في آفاقٍ واعدةٍ على الطيورِ عندما تعمل مجتمعةً في هجرة الربيع، تقي نفسها من برودةِ الجو وشح الماء والمنافسة على أماكن بناءِ الأعشاشِ وتحصل على إمداداتٍ وافرة من الطعام، أسبابٌ كلها تصلح لتكون دوافعَ للإنسانِ أينما وجد أن يعملَ من أجلها. إذا لم نكن أنا وأنتَ العصافير التي تصنع الربيع، فلنكن العصفور الذي يحتمي بجنسه ويصنع ”ربيع“.

ليس مطلوباً منا أو في قدرتنا إسعاد الكونِ وجعله يرقص طرباً على أنغامِ السعادة ويحجل فوق رجلٍ واحدة، لكنه في إمكاننا ومن واجبنا ألا نشعلَ لهيبَ النار الذي يحيل دوائرَ حياتنا نارَ إبراهيم الخليل . كاذبٌ من قال لكَ أن في إمكانِ الحياة أن تكونَ كلها مرحاً وسعادة، بل هي دقائق يسرقها أو يقتنصها البشرُ من بين أشجارِ العناءِ والتعب، وهذه الدقائق تطول ثم تطول إذا اجتمع الناسُ كلهم في صيدها.

إن سماع صوت الضحك والسعادة والبكاء والحزن يصيبنا بالعدوى، وأدمغتنا تتأثر سلباً أو إيجاباً بالإشاراتِ الصادقة، نبحث عن عدوى فرحٍ تصيبنا أو كتفاً نستند إليها عندما تعصف الرياحُ بسفننَا، لم لا وما نحنُ إلا زرازيرٌ في رحلةٍ تحت لطفِ القدر؟ يأتي زمانٌ تختفي فيه كل الفصول، ولا يبقى سوى الربيع، وحتى يأتي ذلك الزمان نبقى كلنا جزءً من الصراعِ بين الفصول ليقوى الربيعُ بنا ويطول..

مستشار أعلى هندسة بترول