آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

باقر العلم الزاخر

في زخم التحفيز والتشجيع لاعتلاء قمم النجاح والكمال، نحرك به النفوس ذات الهمم العالية نحو تنمية المدركات العقلية وتحكيم الفكر الواعي في حياتنا ومجمل علاقاتنا، وفي دعوة نحو إثراء الجانب الثقافي وتبيان دوره التعزيزي المؤصل للحضارات والمجتمعات الراقية، إذ أن مقومات التقدم والرقي الإنساني هو الحضور العلمي والثقافي والذي يؤسس لتنوير فكري يلقي بظلاله على مختلف جنبات الحياة، وليس هناك من تقدم وازدهار لا يسبقه اهتمام ورعاية خاصة بالعملية التربوية والتعليمية في منظومة متكاملة من مناهج ومعلمين ومتلقين يتسابقون لنهل معين المعارف المتنوعة بلا كلل.

جامعة الإمام الباقر للعلوم والمعرفة أنموذج راقي وإعداد متقدم يرتقي بمستوى التفكير والبحث عن المعالجات والحلول لمختلف الأزمات والمشاكل، فقد استطاع هذا الإمام الهمام أن يضع لبنات تأسيس المجتمع المعرفي الذي يتضمن مسعاه البحث عن الحقيقة والمعلومة المفيدة في صلب بعدهم الإيماني والعقائدي، ولم يكن ذلك التنوير المعرفي والفكري خاص بزمانه ، بل وضع أسس هذا التقدم والنتاج العلمي للأجيال المؤمنة عندما تتمسك بنزع الجهل والغفلة عنها وتنطلق في فضاء أنوار ولآليء المعرفة.

نستحضر شخصية عظيمة استثمرت الأجواء المحيطة به، فقام بدور كبير في إصباغ الجهة العلمية والمعرفية على المجتمع من خلال دروسه المتنوعة، والتي تشبع نهم التلاميذ وعشاق المعرفة والعلم وتجيب عما يدور بأذهانهم من تساؤلات، فظهر من تلك الدروس والجلسات العلمية ما يتمتع به الإمام الباقر من سعة في الاطلاع المعرفي في كل ما يتحدث به أو يجيب عليه، فنال إعجاب وتقدير كل من استمع له أو سمع عن فضله العلمي، وأجمع علماء زمانه على أن علمه بحر غزير تتلاطم أمواجه ولا يمكن سبر أغواره، وكان المرجعية العلمية والفكرية الوحيدة التي لا تضاهى والجامعة لكل المعارف، فبعد جهود حثيثة ومثمرة وهب فيها الإمام الباقر الكثير من جهده ووقته في سبيل تأصيل الفكر الإسلامي والقرآني في عقول الناس، والأخذ بأيديهم نحو الاطلاع والمدارسة العلمية وجعلها محو لقاءاتهم، نمت تلك البذرة العلمية وأثمرت.

ولم يحظ الإمام الباقر بتلك الثقة والأهلية العلمية والإجماع على أنه وحيد عصره في سعة العلم إلا بعد مجالس مذاكرة أجاب فيها عن أدق المسائل وما حار في جوابه العلماء واستعصى عليهم الاهتداء إلى الجواب الشافي لها، فأزال جهلهم بها وحيرتهم بما شفى غليل النفوس التواقة للمعرفة، ولم تكن تلك المنزلة الرفيعة التي حازها الإمام الباقر قد بلغها بعد سنين طويلة قد ينسب له - وحاشاه - التعلم والاطلاع خلالها، بل اعتلى منبر جده المصطفى وهو طفل صغير لم يبلغ السن العاشرة من عمره، بما أكد للناس أن أهل البيت ورثة علم جدهم المصطفى ﷺ وتميز علمهم بأنه لدني لا يكتسبونه بدرس أو مطالعة، بل يزقون العلم زقا، وبقدر ما يكون للمرء من همة يستطيع أن يتزود بطرف أو قطرة من علومهم الجمة.

والنظرية المعرفية التي بلورها الإمام لم تكن على مستوى التنظير والانفصال التام عن الواقع العملي، بل نظرته الفكرية تقوم على أساس تقديم خطوط عريضة تنضجها العقول الواعية، ومن ثم يتم العمل بها في الساحة العملية كحلول لمشاكل أو شبهات عقائدية أو ظواهر سلبية، ولذا انبرى الإمام الباقر لتصويب العقول برفع الشبهات وتقديم المفاهيم الحقة، ومجابهة الشبهات والأطروحات الزائفة بنفسه فتجد له ذاك الحضور المجتمعي الواسع، فغير بعيد عنه ما تواجهه الساحة العلمية من خضات وشبهات تلقي بظلال الحيرة.