آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الهزلية انفصال عن الواقع‎

ورد عن الإمام الهادي : الهزل فكاهة السفهاء، وصناعة الجهال» «بحار الأنوار ج 78 ص 369».

هل يمثل المزاح والدعابة وتبادل الطرائف والنكات ملحا للحياة يخفف من أعبائها، وينفس في مثل هذه الأجواء الفكاهية عن همومه وتأزمه، أم أنها مدعاة للتخلي عن الجدية والتعامل مع الواقع بمواجهة التحديات والصعوبات بدلا من حياة هزلية يغطي فيها الإنسان رأسه عن التفكير برمال التهرب عن المسئولية؟

الحياة إذا استمرت بوتيرة واحدة هي الجدية وتقطيب الجبين وعبوسة الوجه وتجهمه وتداول الناس الأحاديث المتعلقة بهمومهم ومشاكلهم فقط، سيرون فائضا من الضغوط الحياتية تعصف بهم وتشل فكرهم وتوهن عزائمهم عن العمل للمستقبل، إذ أن الحياة الجدية لا تطاق ولا يمكن تحملها وسيترتب عليها الكثير من الأزمات النفسية والإحساس بفقدان الأمان والراحة والهدوء، ولا محيص عن محطات ومفاصل في حياتهم يرفعون عن كاهلهم أعباء الحياة.

والنشاط والحيوية التي يحتفظ بها الإنسان لممارسة دوره بفاعلية وإتقان، يحتاج فيها ما بين مرحلة وأخرى لمحطات استراحة يلقي فيها همومه ويأخذ قسطا تهدأ فيها نفسه، ومن ثم يعاود عمله في مرحلة جديدة بعزم وإصرار وتجدد طاقته وتتحفز قدراته.

فماذا يراد من الهزلية والمزاح الذي يذمه الإمام الهادي ، ويجعله بمثابة العلامة الدالة على السفه والجهل؟

الشخص الهزلي بنحو دائم يحول روح الدعابة وتلطيف الأجواء بما يخفف الضغوط النفسية، إلى هدف أوحد يلون فكره وكلامه وعلاقاته بل ومجمل حياته، حتى يضحى شخصية بعيدة - كل البعد - عن النظر للأمور بواقعية ومنطقية وحكمة، ويحول الحوارات الجادة التي تبحث عن معالجات لمشاكله الأسرية أو ما يعم محيطه الاجتماعي إلى طريقة هزلية لا تحترم الحاضرين والمستمعين، والأنكى من ذلك أن يعتبر الشخص الهزلي - وليس صاحب الفكاهة - تعقيدا كل دعوة إلى أخذ الأمور الهامة بجدية وتدعوه للتخلي عن المزاح الزائد غير المناسب لوقت البحث عن حلول، ويسمها بالصوت النكدي المتزمت الذي لا يعرف شيئا اسمه المرح والتنفيس عن الهموم وأخذ قسط من الراحة ودور الابتسامة في حيوية المرء!!!

والروح الهزلية مصداق من مصاديق السفه وخفة العقل، وذلك أنها تعبر عن حالة انفصالية عن الواقع وسبيل للتهرب عن تحمل المسئوليات، وبحث سرابي عن الراحة الدائمة والتكاسل عن أداء الواجبات، وهذا البحث الوهمي عن الأنس المستمر يخالف سنن الخالق في عباده، حيث جعل الحياة لجميع البشر - بلا استثناء - دار ابتلاء ومحطات من المحن والصعوبات ومقتطعات زمنية من المشاكل والهموم، وقد جعل سبحانه طريق نجاحه وسبب سعادته في مواجهة التحديات والإخفاقات والصدمات بشيء من الحكمة والصبر، ويعينه ويسانده في البحث عن حلول ومخارج أصحاب يتصفون بالعقلانية والجدية في التفكير والعمل، وهذا لا يعني الدعوة إلى عبوس مستمر للوجه بل المؤمن هش بش، أي يبث السرور والطمأنينة والارتياح في لقاءاته ومجالساته، ولكن بدون أن يطغى المزاح على مجمل وقته وتصرفاته، وهو ما يحول المرء إلى مهرج هزلي لا يوثق به أبدا.

شتان ما بين المزاح الذي يضفي المرح والأنس والابتسامة، ويدفع الإنسان بعد أن يتخفف من همومه إلا الانطلاق إلى عمله أو دراسته أو علاقاته بحيوية وفاعلية، وما بين هزلية يتخلى فيها المرء عن تحمل أي مسئولية بل ويأخذ كل مشكلة أو هدف جميل بفكاهة ويرحل عنه، بخلاف ما يسببه الهزل من خلافات ومشاحنات وخصومات، إذ يحاول الهزلي إضحاك من حوله بالسخرية على كل شيء حتى أصحابه، وهذا ما لا يتحملونه ويعتبرونه نوعا من استنقاص شخصياتهم واستصغارها، فالهزل لون من ألوان إدمان التعامل بعبثية وسخرية لا يطيق فراقها!!