آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

انتصار الشعب الجزائري

زكي أبو السعود *

يأتي قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعدم الترشح لولاية خامسة استجابة حكيمة للحراك الشعبي الكبير المعارض لقرارر الترشيح. ولكن كيف رضخ بوتفليقة لمطالب الشارع؟ ولماذا لم يعلن هذا الانسحاب منذ انطلاقة اول مظاهرة تطالبه بعدم ترشيح نفسه؟ الم يكن أعز لشخصه وحفظاً لتاريخه الوطني ان يفعل ذلك بعد اول هتاف انطلق من حنجرة جزائري ب ”لا للترشيح“!!. هل كان من المجزئ او المناسب له الانتظار كل هذا الوقت كي يعلن تراجعه؟

يبدو من تأخر هذا القرار أن الرئيس وجوقته كانوا يتوقعون بأن هذا الحراك لن يستمر وسيتفكك مع مرور الوقت وان اليأس سينتاب هؤلاء الشباب الجاهلين بألاعيب السياسة، وسيستجيبون لدعوات الكبار ”الحكماء“، وسينصتون للدعاية الرسمية الموالية للرئيس القائلة بأن عدم بقاء الرئيس بوتفليقة في الحكم سيجعل البلد عرضة للفوضى والخراب، وأن استمرار الاحتجاجات سيجعل الجزائر مهددة بالانقسام والاحتراب الداخلي ويجعلها عرضة للتدخلات الخارجية أسوة بما حدث في البلدان العربية الاخرى التي تحولت المطالبة بتنحي الرئيس الى حروب دموية دمرت البلاد وأهلكت العباد، إلا أن

المظاهر ات والاحتجاجات حافظت على زخمها، واستطاعت استقطاب آلاف جديدة من الجزائريين اليها؟ فهل كان قرار عدم الترشح، قرار بوتفليقة الشخصي، ام ان المؤسسة التي تقف من وراءه هي صاحبة هذا القرار الهام؟.

من المسلم به، نتيجة للوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، ان تكون القرارات الصادرة عن المكتب الرئاسي، تصدر وفقاً للتوازنات داخل اروقة القصر الرئاسي وداخل القيادة العسكرية والحزبية، التي يبدو انها «اي التوازنات» هي العامل الرئيسي في جعل هذه القيادات متمسكة ببقاء الرئيس بوتفليقة وهو العجوز «82 سنة» والعليل في نفس الوقت.

هناك احاديث كثيرة حول سوء الاوضاع الداخلية واستشراء الفساد وتعمق البيروقراطية داخل الاجهزة الحكومية، وبطئ النمو الاقتصادي مع تزايد مستمر في نسبة البطالة وبالاخص بين الشباب وتردي الاوضاع المعاشية لقطاعات واسعة من الشعب، مع تزايد في اعداد الفئات الطفيلية من ”القطط السمان“. كل ذلك اصبغ على المستقبل لوناً رمادياً، لا يحمل في آفاقه اي بشرى بالخير.

الخوف من هكذا مستقبل وبقاء الاوضاع على حالها دون تغيير، هو الذي دفع بالعديد من الفئات الاجتماعية بما فيها شرائح كبيرة من الطبقةالوسطى للمطالبة بتولي رئاسة البلاد شخصية جديدة تكون قادرة على القيام بتغييرات تفضي لخلق حالة جديدة تنهض فيها البلاد وتعيد لها نموها وتقدمها اللذين يستحقهم الشعب الجزائري، بينما بقاء الرئيس بوتفليقة على كرسي الرئاسة بكرسي متحرك له معنى واحد، وهي بقاء السياسة القديمة - التي استمرت كل هذه السنين وتسببت في نشوء وتراكم هذه الاوضاع - لخمس سنوات قادمة، وهو ما شكل استفزازاً لملايين الجزائريين الذين يرون ان بلادهم تملك من الكفاءات المؤهلة لرئاسة البلاد، وان بوتفليقة ليس الوحيد الذي يمكنه قيادة البلاد. كما أن هناك امل بأن التغيير في شخص الرئيس ومجيئ رئيس جديد سيتبعه تلقائيا تبني سياسات جديدة تحدث تغييرات ايجابية في الاقتصاد، ومجمل الأوضاع الاجتماعية والحياة السياسية للبلاد.

لقد اظهر التزام جماهير الحراك بسلمية حراكهم، وعدم اللجؤ للعنف كرد فعل لاستفزازات الاجهزة الامنية ومناصري النظام، مدى تمتع الشعب الجزائري بالوعي السياسي والإحساس بالمسؤولية، وإدراكه بأن الخروج عن سلمية الحراك سيقود الى تدخل الجيش والقوات العسكرية تحت دريعة الحفاظ على الامن وصيانة مضامين الدستور. هذا الانضباط لعب دوراً مهماً في إنجاح الحراك، الذي بداءات ترتفع بين صفوفه شعارات تتخطى المطالبة بعدم الترشيح وتحمل في طياتها دعوات لتبني سياسات اجتماعية واقتصادية جديدة، ستفرض نفسها - مع استمرار الحراك الشعبي - على اي رئيس قادم، وهو ما سيشكل تهديداً للمنتفعين من بقاء بوتفلية رئيساً لدورة قادمة. فكان هذا التراجع، الذي يعد قراراً حكيماً لضمان امن واستقرار بلد المليون شهيد، ويجنبها اية مفاجاءات غير محسوبة النتائج وبالاخص لدى الطبقة الحاكمة.

الآن، وقد تحقق هذا الفوز للشعب الجزائري، هل سنشهد انتخابات رئاسية نزيهة تدفع بصاحب البرنامج الاكثر استجابة لمصالح اغلبية الجزائريين الى كرسي الرئاسة؟ ....

بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…