آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

أنا خيرٌ منه!

كلمةٌ قالها إبليسُ بحق آدم أبونا، ولكن كيف جاءَ صداها ورددها أبناءُ آدم بينهم في كلِّ الأجيال؟ لم يترك أبناءُ آدم مجالاً لاستخلاصِ الحكم لصالحهم إلا واستخدموه، جنس البشر في سؤالِ من أين جاء وما أصله؟ ولون البشرِ في هو أسود وأنا أبيض، وفي الدينِ هو كافرٌ وأنا مؤمن! كلماتٌ وأفعالٌ قليلةٌ هي التي تكون قاعدةَ تمايز، ولكن نتائجها في حجمِ نارِ جهنم يصطلي بها كل من طالته.

عندما رفض إبليسُ أن يسجدَ لآدم أظهرَ سبباً واحداً  خلف حكمه لصالحِ نفسه وهو أن اللهَ خلقه من نارٍ وخلقَ آدمَ من طين، بهذه البساطة دمره استنتاجه الخاطئ في الأفضليةِ على آدم وزرعَ بين البشرِ فكرةَ التفاضل، وقعد إبليسُ للبشرِ في كلِّ صراطٍ وطريقٍ يسلكوه. لم يكتف البشر بالحكم على غيرهم بالكلمات، ولكن قرونها بالأفعال، فضربوا بعضهم بالحجر، وأوقدوا النار، ورموا بالبارود، قتلوا وخربوا منتجاتِ بعضهم بكل ما استطاعوا أن يصلَ فكرهم إليه من أدواتِ التدمير.

بالطبع كلهم بعد هذا العراك على الجنسِ واللونِ والدين يموتون، فهل تساءلتَ كيفَ نكون تحتَ الأرض بعدما نموت، هل يختلف أحدنا عن ال?خر، وهل يبدو أحدنا أكثرَ روعةً وجمالا، هل يبدو أحدنا أكثر رفاهيةً من الآخر، أم كلنا مدفونون في شيءٍ ما تحت أثقالِ الأرض؟ وبعد ساعاتٍ كلنا يصير إلى رميمٍ لا يفرق، من يملك المالَ المقتدر ومن لا يملك المالَ البائس الفقير. مدة قصيرة بعد الموت وتبدأ الكائناتُ الحيّة الدّقيقة الهوائيّة باستنزافٍ سريعٍ للأكسجين، ويُصبح الجسم بعدها مُهيّئاً ليتجردَ من جميعِ جمالهِ وروعته الظاهري.

أظن أن إبليسَ ومن بعدِه نحن البشر نخفي الأفعالَ تحت الكلمات، فلا يهم الدين واللون والجنس، بل يهم ألا يأخذَ غيري شيئاً من فاكهةِ الحياة، ما لو لم يشاركني فيها كان نصيبي أكبر، وهو المال والقوة في أنواعها. كلنا نسعى لإيجادِ فوالقَ بيننا وبين الآخر، نبحث في قواميسِ الشعرِ واللغةِ وكتبِ التراث، ونستعين بالعلمِ في تحديد جينات البشر ولمن ينتمونَ ومن أين قدموا لعل أنفسنا تسكن إلى عذرٍ يرضي غرورها في الإحتفاظِ بكلمتين هما: أنا وهو.

كلنا نسعى لتزيينِ كلماتنا في التمايزِ كما نسعى لتزيين الجسدِ والمحافظة عليه وننسى تزيينَ الروحِ والأفعال في أن البشرَ كلهم عرقٌ واحد، يأكلونَ ويشربون، وينامونَ ويتزاوجون، وكلهم يفرحونَ ويحزنون. فالروح هي جسدنا في عالم الغيب، وما الأجساد إلا مطايا نمتطيها تعبر الجسورَ والقناطرَ حتى تصل آخرَ قنطرة، إلى دار الآخرة، ثم تختفي.

في علمِ الرياضيات هناك فرعٌ يبحث في المفاضلة أو المقارنة أو الموازنة بين جزئياتِ كميتين بينهما ارتباط بإيجادِ معدّل تغيرِ إحداهما بالنسبة للأخرى، وهناك حسابُ التَّكامل: حيث يمكن للبشر إيجادُ الأحجام والمساحات التي عليهم أن يقدروها لأنفسهم. فمتى ما استخدمنا هذين الفرعين في معرفةِ أنفسنا ومقدارها ثم تكاملنا، سوف يكون التكامل في كل الأحوال أنفع لنا من التفاضلِ والتمايز.

مستشار أعلى هندسة بترول