آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

هاتِ مقلاعكَ يا داود

المهندس هلال حسن الوحيد *

يكاد يصبح تصور سعادة الدنيا وليونتها مثل الآلةِ السحرية، الذي ليس عليكَ إلا أن تفرك يديكَ ثم تقول لها أمانيك وهي حتماً تستجيب لك! واحةٌ خضراءَ منبسطة تنط فيها تحتَ المروج والأغصان المتشابكة، وتمشي حافياً دون أشواك. لا، ليست الحياة والدنيا هكذا، منذ أن تقطع القابلة حبلنا السري حتى يلفَّ الكافنُ خصرنَا برباطٍ أبيض مرةً أخرى بعد الموت، كثيرٌ من النصب وقليلٌ من الراحة.

”تعب هي الحياة“، ولذلك تستقبلنا حقنُ المضادات الحيوية باكراً في حياتنا، والتي فيها واقعٌ صغيرٌ من أمراضِ الدنيا يقوينا ويعطينا دفعةً واقيةً مما هو قادمٌ نحونا. ومن الخطأ أن نحشوَ أذهاننا وغيرنا في أن الحياةَ بسيطة وكلها أحلامٌ وأماني. ليست الحياة سهولاً منبسطة، ولو كانت كذلك فلماذا نستعد لها ولأي تحدٍّ فيها نجهز أنفسنا، بل هي هضابٌ وتلالٌ وقممٌ يجب أن نتدربَ على المتاعبِ تحت الشمس ونقص عنصر الأوكسجين أحياناً. هي هكذا للطالبِ والعامل والمربي والقائد، ولكل من يطأ الثرى. ومتى ما صعدنا إحدى القمم يحق لنا الاحتفال والنشوة والزهو بالنصر، وعندما تخور قوانا نلتقط الأنفاس ثم نعاود الكرةَ في الصعود. وبعد نصب التذكار نسلم الرايةَ لمن بعدنا في سباق النصر والهزيمة. كلما تنوعت أسلحة الزمن، استدعينا حكمةَ داود النبي في تركِ السيفِ والدرع واختيارِ الحجر الذي كان خبيراً كيف يستعمله. وتعلمنا منه كيف ننزع من خصمنا ومن تحدياتِ الحياةِ الأنيابَ ومزايا القوة، وكيف نحيل ضعفنا إلى قوة:

تعال يا داود عليك السلام، وهاتِ مقلاعك، ضع مقلاعك في المخلاة فهو يناديك أن تقتلَ به جالوت. أنتَ فتىً صغير وما عندك من قوة ظن الناس؟ وما جربت نفسك في الحرب، احذر فالناس يتعاظمونَ أمرَ جالوت. تعال أنتَ والحجارة قابل طالوت، وأخبره أنك كنتَ عندما يعدو الأسدُ على غنمكَ تجري خلفه، فتأخذَ برأسه وتفك لحييه وتخلص منه الشاة، لبس جالوتُ الدرعَ وتملأ حتى خاف طالوتُ وبنو إسرائيل. نادى داود أروني جالوت، ثم جعلَ الحجرَ في المقذافِ ورماه، فأصاب الحجرُ جالوتَ بين عينيه ودمغه ونكس عن دابته. قال الناسُ قتلَ داودُ جالوت، وملَّكه الناسُ واجتمعوا عليه، وأنزل اللهُ عليهِ الزبور، وعلمه صنعةَ الحديد فلينه له، وأمرَ الجبالَ والطيرَ أن يسبحنَ معه، ولم يعط أحداً مثل صوته.

في تحديات الحياة، الخوفُ من الأعداء أجبرنا على الركض، وجني الثمارِ الشهيةِ أرشدنا لتسلق الأشجار، وهكذا بعض صعوبات الحياة فيها مسحةٌ من الجمال المرغوب. يا رب أعطنا حكمةَ داود وحصاً في مخلاةٍ وعلمنا كيف نعرف فجواتِ النصر التي يتركها لنا الزمان. نحن أقصر وأضعف من من داود، القِ في روعنا أي سلاحٍ نختار لنقاتل به المصاعبَ والمحن التي هي أكبر من أحجامنَا، ولا تسمح لنا أن نموتَ في هذه المعارك...

مستشار أعلى هندسة بترول