آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

شكراً لك من الأعماق يارسول الله صلى الله عليك وآلك وسلّم

زاهر العبدالله *

مقدمة:

قال تعالى «﴿هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ

[الجمعة: 2]

وقفة تأمل مع هذه الآية المباركة في اجواء رحمات الله عند بيته الحرام

حين نتأمل هذه الآية نستلهم منها عدة فوائد عقدية وأخلاقية وغيرها من المعاني العليا وسنختصر القول فيما يلي:

وقفة عقائدية:

فمن نعم الحق سبحانه هي لطفه على عباده وكرمه من فيض جوده وخزائنه التي لا تنفذ أن يحيط عبده بكل شيء من حوله يذكره بوجود المُنعم عليه ولو تأمل الإنسان ذاته لوجد الله سبحانه في كل شيء ولا يخفى عليه شيئ وهو بكل شيء عليم وخبير

تجد ذلك جلياً في جُملة من الآيات القرآنية كما في قوله تعالى ﴿سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ [فصلت: 53]

ومن لطفه سبحانه أنه أودع فيه نعمة العقل وجعله افضل خلقه وحث على استعماله وذلك بالتفكر والتدبر والتأمل التعمق في آلاءه وآياته بل أكثر من ذلك حيثُ هداه إلى الطريق القويم والصراط المستقيم بأن بعث له الأنبياء والمرسلين والأوصياء وجعلهم مظهراً لجلاله وجماله ووسائط فيضه فكلّفهم تعليم خلقه ومقتضى هذا التعليم اوجب عليه سبحانه أن جعلهم معصومين من الزلل وأمنين من الفتن ومحط قدوة الناس وسبيل السالكين العارفين لكي لا يكون لأحد من خلقه حجة عليه وهذا تفضل منه سبحانه فقد آلى على نفسه أن تكون لهم حجة بالغة على خلقه ودليل ذلك تجده ماثلاً في قوله تعالى ﴿قُل فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ [الأنعام: 149]

لكي لا يجد عباده عذر بين يديه سبحانه في عدم طاعته والتزام أوامره واجتناب نواهيه وهو غني مطلق عن ذلك كله ولكن فضله وسع غضبه سبحانه وتعالى.

وقفة أخلاقية:

حين نتدبر الآية الكريمة التي تصدرنا بها نجد أن إحدى وظائف الأنبياء هي يعلمهم: ما يصلح امرهم ويحذرهم ممايفسد سلوكهم.

ويزكيهم: لأن الأنسان يحمل في جوانبه الروح والبدن فالبدن يحتاج العلم والمعرفة والروح تحتاج تعليم خاص فتُغسل بالدموع والخضوع والخُلق الحسن وتنور بالعفو والصفح وتبيض بنزع الحقد والغل والحسد وترطب بالكلام الجميل وحسن الذكر وطيب المعاشرة ولين العريكة وووو...

ويعلمهم الكتاب والحكمة: وهنا نقف أمام تغيير جوهري وهو الجهاز المفاهيمي الذي بني على التعصب والجهل المركب والعادات الخاطئة والموروث السلبي فيبدله بجهاز مفاهيمي آخر وهذا من أصعب الأمور في تغيير المجتمعات خصوصاً اذا كان هذا التغيير يخالف الهوى ويصدم الأنا ويكسر غرور النفس وقد أوضح ذلك التغيير جعفر ابن ابي طالب رضوان الله عليه لملك الحبشه حين قال «فقلنا أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الارحام ونسىء الجوار ويأكل القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولا كما بعث الرسل إلى من قبلنا وذلك الرسول منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع أي نترك ما كان يعبد اباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا أن نعبد الله تعالى وحده وأمرنا بالصلاة....»

م: السيرة الحلبية - الحلبي - ج 2 - الصفحة 31

ولكي نقف على واقع الحال الذي كان عليه الناس في وقت رسول الله ﷺ فقد وصفته سيدة نساء العالمين الزهراء في خطبتها الفدكية حين قالت «فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها. فأنار الله بمحمد ﷺ ظلمها وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم...»

م: الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة 474

الخلاصة:

فحين ترى اليوم الناس على اختلاف الوانهم ولغاتهم ومناطقهم وقد أحاطت ببيت الله الحرام راجين مستغفرين تائبين طامعين في كرم الله ولطفه وقد تعلقت قلوبهم بعز قدسه موحدين عابدين يرجون الخلاص من ذنوبهم وأن توسع ارزقهم وأن تبيض وجوههم يوم القيامة فحق لنا أن نقول شكراً لله رب العالمين وشكراً لرسوله الكريم وأهل بيته الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.