آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

النبيُّ والنملة

المهندس هلال حسن الوحيد *

في لقاءٍ عابر بين نبيٍّ ونملة، كم علمتني النملةُ دروساً في الحياة تبقى صالحةً لكل البشر. لقاءٌ جمعَ القمة في العظمةِ والتواضع، والغنى والفقر، وجمع بين كمالِ حكمةِ النبي ومعرفةِ النملة. كان مُلك النبي سليمان فيه ما يخرق العادات في حكومةٍ شملت الجنَّ، والطيرَ، وكيف كان يعرف كلامَ النملِ والهدهد.

تحرك يوماً جيشُ سليمان العظيم ولما وصل «وادي النمل»، احتمى النملُ في تحذيرِ وإشارةِ واحدةٍ منها لكل النمل أن يدخلوا مساكنهم، وكأنما كانت هي القيادة التي بقيت مستيقظة وأدركت الخطرَ الذي سوف يقضي على المستعمرةِ بكاملها إن لم يبتعدوا عن أقدام الجند. ولم تكتف بعمومِ التحذير فلم تقل ابتعدوا وسكتت! بل أطرت الخطرَ في أنَّ سليمان وجنوده سوف يَحطمونهم وَيدوسونهم، ثم الموت بعدها.

حكمت النملةُ بالبراءةِ على النبي سليمان وجنوده من تهمةِ القتل العمد «لا يشعرون» حيث لم يكن عدل سليمان خافياً حتى عند النمل، فلو أن سليمانَ وجنوده علموا بوجودِ النملةِ الضعيفة لما داسوهَا بالأقدام. كلماتٌ كانت جميلة ومطمئنة، بثت البهجةَ في قلبِ سليمان، قيادةٌ حكيمةٌ ومحاكمةٌ قصيرة وحكمٌ عادل،  بان على أسارير وجهه وتبسمَ ضاحكاً من قولها.

لقاءٌ قصيرٌ توجه بعده سليمانُ نحو اللهِ شاكراً وطالباً المزيد، وفي حالة الرقي والعظمة لم ينسى نعمَ الله عليه وعلى والديهِ وأن الجيشَ الذي أرعب الدنيا والنملَ ليس الغاية المطلوبة، بل الغاية أن يؤدي سليمان عملاً صالحاً يُرضي اللهَ ربّه. وأن تكون النتيجة في  انضمامه في الصالحين، غايةٌ لا تتأتى إلا برحمةِ الله وتوفيقه.

علمتني تلك النملةُ التي أطأ المئات منها كل يومٍ دون حديثٍ بيني وبينها سوى الموت، أنّ آثار ذكاءها ومهارتها في كثيرٍ من أعمالها فاق حكمتي وقدرتي في الدقةِ والتنظيمِ والإقتصاد، وكيف تبقى في الكونِ رغم عدائي لها. علمتني أن العقلَ لا يتناسب مع الكتلة، فلو أن عقلي وحكمتي كانت مثل عقلها وحكمتها في جسدها الصغير، لاحتميت دون كثيرٍ من المخاطر. علمتني أن الغرورَ لا يكفي للبقاء فكم في دنيا الحيواناتِ الضعيفة المجهولة كثيراً من الحِكم والمعارف المجهولة والبشر عاجزٌ عن تعلم القليل مع وجود الأنبياء والمعلمين،  أعمالٌ كم عجز الناس عن تعلمها في وجود المعارف والتربية.

رب اعطني من الحكمةِ والهداية إن أراكَ في كل شيء، وبقدر ما أصل إلى القدرةِ والغفلة أقترب من قيمِ الإنسان وأن تعطيني القوةَ في الباطنِ والخارج لأشكر نعمكَ عليَّ وعلى والدي فإن كنتُ خيراً فما زرعا، وإن يكن غير ذاك فما جنيت أنا.

حَتَّى? إِذَا أَتَوْا عَلَى? وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ «18» فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى? وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ «19» «سورة النمل».

مستشار أعلى هندسة بترول