آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

كذبة ابريل

محمد أحمد التاروتي *

يمارس العالم نوعا من الخداع على الذات، عبر الاحتفال ب ”كذبة ابريل“ سنويا، بحيث يتبارى البعض في ابتكار احدث انواع الكذب، بعضها تأخذ طابعا سياسيا، والاخرى تسلك الجانب الاجتماعي، فيما تتسابق وسائل الاعلام بنقل المزيد من الكذب، بحيث لا يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، وانما تشترك في تمرير احدث الاكاذيب العديد من وسائل الرصينة، مما كرس عرفا عالميا لدى الكثير من الشعوب، باختلاق الاكاذيب مع مطلع ابريل سنويا.

البعض يعتبر ”كذبة ابريل“، كنوع من الترويح عن النفس، ومحاولة الخروج من الضغط الحياتية الكثيرة، بحيث يتجلى في صور متعددةى وأصناف مختلفة، بهدف ادخال البهجة والسرور في النفوس، ومحاولة للقضاء على الاحباط، بيد ان استخدام ”كذبة ابريل“ بشكل مموج اخرجها من سياقها، بحيث اصبحت سيفا مسلطا على رقاب البعض، جراء الأضرار المادية والمعنوية، الناجمة عن إطلاق تلك الاكاذيب غير المستساغة، خصوصا وان بعض الاكاذيب تطال الحياة الشخصية، مما يستدعي وضع ”الترويح“ ضمن النسق الطبيعي.

فيما يمارس البعض ”كذبة ابريل“، وسيلة لتصفية الحسابات الشخصية، سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي، بحيث يستغل شهر ابريل في إطلاق مختلف ان انواع الاكاذيب ضد الخصوم، خصوصا وان مطلع ابريل فرصة ذهبية لتوجيه السهام القاتلة للخصوم، من خلال استغلال غطاء ”كذبة ابريل“، لتمرير العديد من الرسائل لمختلف الفرقاء والاصدقاء في الوقت نفسه، بغرض الحصول على المزيد من المكاسب في مختلف الاصعدة، وبالتالي فان الاغراض غير الشريفة تبقى قائمة، في التفنن في إطلاق اكاذيب ابريل.

سطوة ”كذبة ابريل“ الجامحة على المستوى العالمي، تدفع باتجاه تكريس هذه الممارسات بشكل طاغي ومنفلت احيانا، خصوصا وان القبول لدى الرأي العام في إطلاق هذه الاكاذيب، يجعل عملية السيطرة غير واردة، لاسيما وان هناك أطرافا عديدة تعمل على تكريس هذه النوعية من الثقافة لدى المجتمعات البشرية، الامر الذي يفسر تسابق وسائل في نشر الكثير ”القنابل“ المدوية مع مطلع ابريل، من اجل احداث بلبلة كبرى على الصعيد الداخلي واحيانا العالمي.

إمكانية تطويق ”كذبة ابريل“، باتت صعبة واحيانا مستحيلة، خصوصا في ظل سرعة انتقال المعلومات في غضون ثواني قليلة، نظرا لاتساع دائرة وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتها على خلق واقع غير مسبوق وجديد، وبالتالي فان الكذبة الصغيرة سرعان ما تنتشر كانتشار ”النار في الخطب“، فهناك الكثير من الشائعات ساهمت في تدمير حياة الكثير من الناس، نظرا لسرعة انتشارها على المستوى العالمي، نتيجة إطلاق بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي.

تبقى ”كذبة ابريل“ ثقافة غير صحية، اذ لا يمكن تقبل المساهمة في تدمير حياة الاخرين، واقتحام الحياة الخاصة لفئة صغيرة او كبيرة بالمجتمع، فالبعض يحاول تجميل اختلاق الاكاذيب بمبررات بريئة، واحيانا بعدم وجود نوايا شريرة تجاه بعض الفئات الاجتماعية، من اجل الحصول على بعض الرضا، واحيانا كنوع من خداع الذات، لاسيما وأن الكذب ممارسة غير اخلاقية وتتناقض مع القيم الفاضلة.

”كذبة ابريل“ ستواصل حضورها سنويا، باعتبارها سلعة قابلة للشراء من لدن العديد من الشرائح، مما يشجع على الاستمرار في عرض هذه السلعة بشكل دائم، بحيث يجري تطويرها بما ينسجم مع المناخ السائد، من اجل الاستفادة من التطور التكنولوجي والثقافي لدى المجتمعات البشرية، بحيث تتناغم مع طبيعة التفكير الاجتماعي.

كاتب صحفي