آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

عن النهار الذي يقصر

أثير السادة *

كعادتي، أقلب في الصحف القديمة، من إرشيف الشركة، لأصافح الوجوه، وأقرأ الأخبار، وأكتشف تحولات الإنسان والمكان واللغة، هذه المرة استوقفني إعلان عن التوقيت الصيفي، تدعو فيه الشركة موظفيها لتقديم ساعتهم ساعة كاملة من مطلع أبريل وحتى مطلع سبتمبر، لأركض مباشرة بعدها باتجاه العدد الأول من شهر سبتمبر واقرأ التنبيه إلى البدء بالعمل بالتوقيت الشتوي.. كان ذلك في حقبة الستينيات، ولا أعلم متى توقف العمل بهذا التقسيم ما بين الشتاء والصيف.. إلا أن الكثير من الدول مازالت تعمد إلى هذا التعديل في ساعتها ما يشعرنا بالعجب والاستغراب.

أذكر بأننا في طفولة المدارس قد مررنا بهكذا تعديل في ساعات الدرس، للشتاء نصف ساعة متأخرة عن الموعد المعتاد، وكنا نحسب الشروق المتأخر للشمس هو المبرر لهكذا تعديل... تخمين حملناه ولا أذكر جيدا إن كنا تحققنا منه... هذا الزمن المتمدد على طول ست أو سبع حصص، وتلك الحقائب المتروسة بالكراريس والكتب لا تعرف فرقا بين الفصلين إلا تعب المشي في حرارة الشمس.

التطواف في حكايات تعديل الوقت بين الصيف والشتاء داخل متاهات غوغل سيحملك على المسوغات الحقيقة لهذا التعديل، طول النهار وقصره هو المدخل الأول للفهم، سيحدثك العالم عن حاجة الناس لمصافحة الشمس حين يقصر النهار شتاءً، الأجساد الرابضة خلف مكاتبها أو وراء جدران معاملها، تحتاج فسحة من ضوء لتعيش النهار والليل معاً خارج حصص الدرس والعمل... لكن هذا ليس كل شيء، هنالك سجالات طويلة حول المردود الصحي والاقتصادي لابدال الوقت، بين من يرى في تقديم الوقت شتاء سبباً في إرباك ساعاتنا البيولوجية وبالتالي اضطرابات في النوم ما يرفع من احتمالية الحوادث المرورية بسبب الإرهاق، وبين من يرى في التعديل محفزا على توفير الطاقة الكهربائية في ساعات النهار.

يبدو أن الأوروبيين ملوا من هذا التعديل في ساعاتهم، هذا مايكشف عنه تقرير نشر نهاية العام الماضي، وجاء على خلفية استطلاع موسع يفترض أن يكون القاعدة لتعديل نظامي تحت الدراسة في الاتحاد الأوروبي، الذين يحبون الليل حتما سيجدون في ساعة مسروقة من ليالي الشتاء نوعاً من التعدي على أوقات الراحة والمتعة، ومن يبحثون عن التغيير سيندفعون بحماسة لتجربة نظام لا يرهقهم بهذا الانشغال الدائم بمراجعة عقارب الساعة.

هل نحتاج أن نعيد التعديل إلى ساعاتنا؟... كنت أفكر في ذلك كلما خرجت من ساعات الدوام في فصل الخريف والشتاء، حيث الشمس في ميلانها للغروب، أتحسر كمشغول بهواية التصوير لانصراف الضوء سريعا من أمامي، حيث لا شيء يعادل الإضاءة الطبيعة في صناعة الصورة، نصل إلى مكاتبنا قلب الشروق، ولا نخرج منها إلا حين تمل الشمس من شوارعنا، تجرب أن تحتال أحيانا لتقتطع لنفسك نصف ساعة وأنت مازلت تسأل نفسك عن معنى أن تظل بعيدا عن الضوء طيلة النهار!.

لو كان الخيار لي، لتمنيت أن أجد الإعلان في الغد عن التوقيت الصيفي، ليس من أجل الصيف، بل من أجل الشتاء الذي يحاصرنا بليله الطويل!.

وبس.