آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

حدود وتطلعات وزارة الثقافة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

وزارة الثقافة في رؤيتها وإستراتيجيتها التي دشنتها في حفل كبير ومميز، وضعت نصب أعينها ثلاثة تطلعات: الثقافة كنمط حياة، الثقافة من أجل النمو الاقتصادي، الثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة دوليا.

وللوصول إلى هذه التطلعات استحدثت 11 كيانا للإشراف على 16 قطاعا فرعيا تشكل في مجموعها «المنظومة الثقافية» التي ستمنح الوزارة جهدها لتنميتها وتطويرها، كالشعر واللغة والموسيقى والمهرجانات والمواقع الأثرية والتراث والأزياء والفنون الأدائية والبصرية. ناهيك عن المبادرات التي بلغت 27 مبادرة التي من خلالها سيتغير وجه المملكة الثقافي إلى آفاق أرحب وفعالية أكثر ديناميكية وأكثر تطورا.

لا شك أن مثل هذه التطلعات تحتاج إلى تحدٍ كبير وعمل دؤوب، فالعمل الثقافي يمثل في العمق منه هوية وطنية دائما ما تحتاج إلى تغذية مستمرة تستمدها من جميع فئات المجتمع، من حياتهم اليومية، من تاريخهم وموروثهم الفكري والديني والجمالي والتعليمي. والوزارة بكياناتها المتعددة معنية تماما برعاية مثل هذه التغذية والتنسيق حول استمراريتها، فإنشاء الروابط والعلاقات القائمة على الفن والعادات والتقاليد الموروثة بين أفراد مجتمعنا وتعزيزها ودعمها في إطار مؤسساتي وتنظيمي يبدو لي هو تعزيز للهوية الوطنية باعتبار الثقافة نمط حياة تتفتح في حياة الناس.

أما ربط التوجه الثقافي بالنمو الاقتصادي فهو في ظني يحتاج إلى رفع القيود البيروقراطية وتحرير العمل الثقافي منها أو على الأقل إعطاء مساحة كبيرة لحرية التحرك، خصوصا أن الوزارة استحدثت كيانات وأعطت لها جملة من الصلاحيات من أهمها عمل شراكات وفعاليات مع القطاع الخاص، وهو أمر لم يكن سابقا متوافرا أثناء العمل تحت مظلات الأندية الأدبية.

وعليه سوف تتوافر الكثير من الفرص للمبدعين من شتى الجوانب والفروع وربط بعضها ببعض وفق مشاريع اقتصادية تنموية يكون فيها رأس المال الاقتصادي ينمو إزاء رأس المال الرمزي الثقافي، بشكل يصب في نهاية المطاف لازدهار البلد واستقراره.

والتطلع الأكثر أهمية والذي استطاعت الوزارة أن تضعه على رأس أولوياتها هو علاقتنا بالآخر كأفراد وكمجتمعات وكدولة، هذه العلاقة لا بد أن تكون متكاملة الجوانب لا يكون جانب على حساب جانب آخر، فالفرد في مجتمعنا بإمكانه أن يؤسس لنفسه علاقات عالمية، بحكم ظرفه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبحكم سهولة التنقل والتواصل، وكذلك بإمكان الدولة إقامة علاقات دبلوماسية سياسية مع الدول. لكن العمل الثقافي ضمن رؤية موحدة وآليات محددة، تكون منسجمة مع بعضها البعض هو الكفيل بإعطاء صورة عن الدولة والمجتمع والفرد نفسه تشي بالكثير من القوة والاحترام والتقدير، وأظن نحن قادرون، بل وأجزم أننا سوف نذهب بعيدا في تمتين علاقتنا بالعالم لما نملكه من طاقات ثقافية وإبداعية قادرة على إبهار العالم في شتى المجالات والتوجهات.

أخيرا هذه التطلعات من جانب آخر تفتح آفاقا رحبة لإيجاد خطاب ثقافي يوحد اختلافاتنا الثقافية، ويسمح في المجال ببروز جيل ينتمي إلى مختلف شرائح المجتمع، ينظر إلى الثقافة باعتبارها هوية وطن وبناء دولة. وكلاهما الهوية والبناء لا يتحققان إلا بالإيمان الراسخ والعمل المستمر من طرف مؤسسات الدولة مع تضافر جهود القطاع الخاص من مؤسسات وأفراد، فالجامعات والمدارس العمومية والخاصة والمؤسسات الخيرية، ومراكز البحوث والجامعات والمكتبات والمقاهي العامة والحدائق والآثار والسياحة، جميعها فضاءات قابلة لتحويلها مناخات ثقافية تكمل الواحدة منها بعضها الآخر، في تناغم وشراكة تعبر تعبيرا عميقا عن معنى أن تتحول الثقافة إلى نمط حياة.