آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

«الدَّينْ» بين الضرورة والترفيه

عباس سالم

«الدَّينْ» هم ووجع يؤرق حامله ليلاً ونهاراً طالما هناك ضمير يحمل إحساساً بثقل «الدَّينْ» على حامله، وإن مات الضمير أصبح حامل «الدَّينْ» كمن صلى لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما.

ظاهرة «الدَّينْ» بالمعنى الشرعي أو «السلف» بالمصطلح البلدي أصبحت ظاهرة منتشرة بين الكثير من الناس في المجتمع، والكثير من القضايا المتعلقة «بالدَّينْ» بين الناس في المجتمع كانت سبباً في خلق الفرقة والخلاف بين الأخوان والأصدقاء والشركاء حتى بين الزوجين، والكثير من القضايا المتعلقة «بالدَّينْ» لا زالت معلقة في أروقة المحاكم بسبب تأخر أو عدم وفاء بعض الأشخاص بالتزاماتهم في إرجاع أو سداد مديونياتهم لدى دائنيهم.

الحياة الدنيا مليئة بالمغريات وزينتها التي تأخذ الإنسان إلى التفكير في اقتناء الأشياء أو تحقيق المتع والرغبات التي تدور في النفس، ويقوم الشخص بتجاوز حدوده في الإنفاق ويتعدى مقدرته التي تكون ضمن حدود دخله، أو تجره الرغبة في تحقيق المزيد من الأرباح فيما يتعلق بالبورصة وما يدور في فلكها، فيفكر في الاستدانة من غيره أو يدخل في مغناطيس التسهيلات البنكية ولا يفكر في عواقب ونهاية هذا «الدَّينْ»، والذي قد يضعه بين قضبان العدالة.

مآسي الديون في محلات البيع وبين الأفراد في المجتمع قصص وحكايات تدور بين الناس، يأتيك شخص قد تعرفه أتم المعرفة وقد لا تعرف عنه إلا القليل، يتوسل إليك بشتى الطرق يريد أن يستلف منك مبلغاً من المال ويأخذك حب مساعدة الآخرين وتقرضه المبلغ، وعندما يحين وقت حصاده يبدأ بالمراوغة، وقد لا تراه بعدها حتى في الأماكن التي كان يتواجد فيها قبل حصوله على المبلغ! وفي البنوك ووكالات السيارات وغيرها أصبح الكفيل ضحية كفالة أخ أو صديق له في المجتمع، فهناك الكثير من المكفولين قد ورطوا كفلاءهم بعدم تسديد مديونياتهم، وبعض هؤلاء الناس متدينون وحريصون على أداء الفرائض!!

الكثير من المغامرات التي عصفت بأموال الناس على يد أناس لم يعرفوا أن حقوق الناس التي استادنوها لم تسقط عنهم، فلا الأعذار تنهيها ولا التحايل على القوانين يطويها وينسيها، وإنها مسؤولية دنيوية وأخروية، وقد حذر القرآن الكريم من أخذ أموال الناس بحجج واهية والتلاعب فيها لأن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس والإضرار بآخرين يطلبون «الدَّينْ» من إخوانهم للضرورة، قال الله تعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها».

الكثير من الناس يتنافسون على المظاهر الخداعة والمزيفة التي يحصلون عليها بمال «الدَّينْ»..! فلا يبالون بحقوق الآخرين ولا بأنفسهم، والناس لا تلوم رجلاً يستدين لأجل تأمين سكن له ولعائلته، ولا يلام الرجل عندما يستدين لظروف قاهرة أجبرته لذلك كالعلاج أو مصاريف دراسة وغيرها، إنما يلام الرجل عندما يستدين لأجل السفر، أو لشراء سيارة، أو جوال، وغيرها من وسائل الترفيه، وللأسف أصبح الكثير من الناس يتنافسون على ذلك ويقترضون من الناس ومن البنوك وهذا يجعلنا نتساءل: هل أن «الدَّينْ» لأجل السفر أو شراء سيارة أو اقتناء جوال حديث ضرورة؟ أم أن العقول أصبحت صغيرة؟

خلاصة الكلام هي علينا أن نستذكر الحكمةَ المشهورة القائلة: «مد رجليك على قدر لحافك»، فلا تحاول أن تعتمدَ على «الدَّيْن» في حياتك، ولو اضطررتُ «لِدَينٍ» ما فلا بد أن تكونَ على علمٍ بأنك قادرٌ على الوفاء به كي لا تعيش في ظُرُوفٍ صعبة ونهايات مرة لا تحمدُ عُقباها، وعلى أية حال «فالدَّيْن» همٌّ وغم فتعوذوا منه، قال أبو عبد الله الصادق : ”تعوذوا بالله من غلبة «الدَّينْ»، وغلبة الرجال“.