آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

ترابٌ وعباءةٌ وكتاب

أهداني صاحبي وطناً في ترابٍ وعباءةٍ وكتاب، كلها تحفةُ أرضِ العرب، أشياء تحكي العربي الذي يمشي فارع القامة منتصباً مثل رمح الرُّدَيْنِيّ، يمشي رأسهُ وصدره يستقبلانِ السماءَ، يرفلُ في عباءةٍ على كتفيه فيها المهابةُ والجلال، وتَقيهِ ريحَ الصحراءِ الواسعة، عباءةٌ من  وبر الجمال الذي فيه لونُ النصر والفرح والصبر والوفاء، اليس هكذا كل عربي يحب الأرضَ والعباءةَ والكتاب؟

أبي وأنا نحب أرضنا، لوننا من لونها ولونها في لوننا، كان أبي فيه شيءٌ من حمرةِ الوجه الذي كان يأبى إلا أن يخفيهِ في لونِ الأرضِ التي كان يفلحها في الشتاءِ والربيع، ويجني حصادها في الصيفِ والخريف، ويخفي بياض لونه في لون ملح البحر أسمراً عندما تلوحه الشمس. مات فوقها وصار لونها وأديمهَا من لحمه ودمه. أنا ابن أبي، سوف أُعيد لأرضي ما أخذتُ من جسدي!

ثم الكتاب الذي يحكي حكايةَ الأنبياء الذين جاءوا منذ آدمَ ونوح وموسى وعيسى ومحمد ﷺ، كلهم ومن بينهم من الأنبياء أتوا من عندنا. نادانا نوحٌ اركب معنا تنجو وتأتيك السكينة، قلنا هاتِ سفينتكَ أيها النبي، أنتَ معنا لن نغرقَ في بحرِ الطوفان. وقال لنا القرآن عن محمد ﷺ ”وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى? «1» مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى? «2» وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى? «3» إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? «4»“ قلنا هاتِ هذا الوحي والكتاب ومرحى بمحمد. مشى فوقَ أرض العربِ كلُّ الأنبياء ومنها أشعلوا قناديلَ الهداية التي أضاءت القلوبَ المثقلة بنير عبودية غير الله وأحالوا كل ليلٍ فجراً.

حبُّ العربي لمجدِ أبيه في لبس عباءتهِ صارَ اليومَ أسيراً لتغيراتِ الحاضر، وبقي حبه الأزلي لأرضهِ وكتابهِ وقيمته الذاتية، فإن لم يعد العربي يلبس العباءةَ فهو لا يزال يلبس الفخرَ والمعالي. لا يخلدنا اللباسُ المادي ولا يرمينا بالأحجار وإنما قيمنا ومثلنا هي التي تخلدنَا أو ترمينا بالأحجار.

مستشار أعلى هندسة بترول