آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:48 م

خارج الزمن

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض هواية اللعب خارج الزمن، من خلال التعامل غير العقلاني مع القضايا الشائكة، عبر استدعاء الحلول ”المحنطة“، باعتبارها الوسائل الاكثر قدرة على المعالجة، فهو لا يضع الاعتبار الفروق الزمنية، والتفاعلات الاجتماعية مع الازمات في الحسبان، وبالتالي فانه يعمد لاستيراد الحلول الجاهزة، وتجاهل الحقائق على الارض، مما يشكل نوعا من الهروب للأمام، فضلا عن كونه تغافل كامل عن البحث الجاد للأساليب المناسبة.

التفاعل السلبي مع الازمات، يشكل احد الامراض الاساسية، في ممارسة لعبة ”الزمن الفائت“، فالفشل في ايجاد القنوات الضرورية في معالجة القضايا، يدفع باتجاه استخدام الأساليب المعلبة والجاهزة، كونها الوسيلة القادرة على تغطية الفشل، في التعاطي الإيجابي مع الاحداث، وبالتالي فان ممارسة العيش خارج الإطار الزمني، يمثل احد الاساليب اكثر قدرة على الخروج، من مأزق الاصطدام المباشر مع الفشل، خصوصا وان هذه الفئة تعمد لاستخدام تهيئة المجتمع للانخراط في الحلول الجاهزة، من خلال إبراز المزايا الايجابية والعواقب الناجمة عن استخدام هذه الطرق المستخدمة سابقا، وبالتالي فان المقدمات القوية التي تسبق طرح تلك الحلول، تشكل غطاء ضروريا لتجاوز معضلة الفشل، لدى البيئة الاجتماعية.

اللعب على وتر الزمن الضائع، يتجلى في الكثير من المواقف، ويبرز في العديد من الازمات، حيث يحاول البعض التواري خلف صفحات التاريخ، واستدعاء المواقف البطولية للأبطال، بغرض اسقاطها على الواقع المعاش، مما ينعكس على اُسلوب وطريقة المعالجة، لاسيما وان التغني بالماضي يجد تفاعلا، واحيانا استجابة سريعة، الامر الذي يدفع لاستخدام هذه الرموز التاريخية للتخدير، والتنويم المغناطيسي للمجتمع، عوضا من البحث عن الحلول العملية القادرة، على تجاوز المعضلة بأسلوب عصري وواقعي.

الابحار في الزمن الماضي، ينطلق احيانا من وعي كامل، ومحاولة للالتفاف على الواقع، بطريقة بعيدة عن الأسلوب العصري، من اجل احداث حالة من الانفصام الداخلي، بين الواقع المعاش، والتغني بالأمجاد السالفة، مما يشكل حالة من خداع الذات، ومحاولة تبرير استمرار الواقع الصعب، بطريقة غير ناجعة، بينما يكون الابحار في الزمن الغابر احيانا بدون وعي وادراك تام، فالبعض يحاول بنوايا حسنة الاستفادة من التاريخ، لمعالجة الواقع المعاصر، مما يدفعه للغوص في التاريخ بأسلوب خاطئ، الامر الذي يسهم في تعقيد الامور، والدخول في متاهة يصعب الخروج منها بسهولة، وبالتالي فان التحرك بعكس التيار الواقعي والمعاصر، يخلف تداعيات كارثية في الغالب.

التوازن في معالجة الامور، عملية مطلوبة على الدوام، لاسيما وان ترجيح كفة على اخرى يفاقم المشاكل كثيرا، مما يجعل الحلول بعيدة المنال، جراء فقدان السيطرة على القضايا، نظرا لادخال عناصر غير قادرة، على بلورة اكثر عقلانية في ايجاد المعالجات اللازمة، بمعنى اخر، فان إمساك العصا من الوسط، يفتح المجال للتحرك بسهولة في جميع الاتجاهات، مما يسهم في احداث رؤية اكثر واقعية للامور، وبالتالي الحصول على النتائج الايجابية، وحصد الثمار عبر الوسائل المقبولة.

التحرك باتجاه الزمن الماضي، مرتبطة بحالة الاحباط، التي يعيشها البعض جراء مواقف صادمة، او أزمات اجتماعية، مما ينعكس على اُسلوب المعالجة، حيث يجد في الماضي ”تسلية“ للهروب من الواقع، وبالتالي فان البقاء في دوامة الزمن العابر، يمثل طوق نجاة، لتفادي الاحباطات التي يكابدها هؤلاء، مما يفرض احداث صدمة قوية على غرار الصدمات الكهربائية، لإنعاش ذاكرة هذه الفئة مجددا، والخروج من شرنقة الماضي، عبر المعالجة الجديدة وترك الحلول القديمة والمعلبة.

كاتب صحفي