آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

معاشرة الحمقى

ياسين آل خليل

قد لا تكون حياتك صافية، وقد يكون هناك من المكدرات الحياتية الكثير، لكن هذا لا يدعوك أن ترى الحياة من منظار نفقي مظلم وكأنك الوحيد في هذا الكون الذي يواجه مشاكل مع أبنائه أو أصحابه أو مجتمعه أو مع الحياة بشكل عام. وإذا سلّمنا بأن مشاكلك في مجملها ترقى لأن تكون مستعصية، وأن نهاية النفق بالنسبة لك لا تبدو قريبة، هل يدعوك هذا لأن ترتكب الحماقة تلو الأخرى مع معظم من تربطك بهم علاقة وكأنهم المتسبب الأول والأخير لتلك المشاكل..!

لا يوجد أحد في هذه الدنيا يعيش حياة صافية خالية من المنغصات، ولو أن حياتك تحولت بقدرة قادر إلى حياة افلاطونية، حيث أن كل شيء فيها يرقى لمستوى أحلامك، كيف لأي كائن كان القدرة على تحويل أفكارك السلبية واستبدالها بما يتناسب وحياتك الجديدة؟ كيف لأي مخلوق أن ينقي قلبك ويعيده إلى ما كان عليه من صفاء وحب للآخر بعد أن تحولت الى رهينة لنفسك الأمارة بالسوء والتي تنفث فيك العنجهية والغرور والتفاخر. قلبك اليوم لم يعد كما كان، بل تحول الى مرجل في حالة غليان دائم يصعب لأي أحد الإقتراب منه خوفًا من أن يصيبه بقبس من لهيبه المتناثر والذي يصل مداه الى كل حدب وصوب.

الأحمق ليس بأقل من غيره معرفة، لكن هناك فرق بين ذلك الحكيم الذي يمتلك المعرفة ويستخدمها وقت حاجتها، وذلك الذي لديه نفس القدر من المعرفة وربما أكثر، لكنه للأسف لا يعير لها وزنًا. الحكيم من طبعه أن ينظر الى عاقبة الأمور، فلا يبدأ شيئًا إلا والنهاية في مخيلته، على العكس من الأحمق الذي يضع جُلّ تركيزه على الوقت الآني ودون النظر الى ما قد تؤول إليه الأمور من منزلقات ومتاهات مستقبلية لا يعلم منتهاها إلا الله.

الحمقى في أيامنا هذه، منتشرون في كل مكان، وإن بذلت أقصى جهدك لتفاديهم، خرج لك أحدهم من حيث لا تحتسب ليعكر مزاجك ويقلب يومك رأسًا على عقب. نحن كأفراد نتأثر سلبًا وإيجابًا من كلتا الشخصيتين، نتعلم من الحكيم الحكمة، أما الأحمق فلا رجاء من تخبطه في قراراته إلا مزيدًا من التأزم، ولا يُتوقع أن يخرج منه ما ينفع الآخر البتة. الحكيم يتريث ويأخذ وقته قبل أن ينطق بكلمة واحدة، مع أن لديه الكثير مما يمكن قوله، لسوء الطالع ترى الأحمق يرتجل أقواله، لتأتي النتائج صادمة له وفي غير صالحه.

الحمقى من الناس مولعين بالتاريخ فلا يفوتون صغيرة ولا كبيرة من ماضيهم المشبع بتخيلاتهم السلبية والغير واقعية إلا يستثمرونها في التهجم ومحاسبة من تراه أنفسهم سببًا في تعثرهم وسوء حظهم. الحكماء في المقلب الآخر، يمسحون أخطاء الأمس التي ارتُكبت في حقهم، بل ويغفرون زلات الآخر على كبرها، ويبدؤون كل يوم لهم بفتح صفحة جديدة وقلب متسامح، وهذا ما يجعلهم قادرين على التعامل مع مستجدات الحياة بروح متفائلة تتوق لصنع حياة خالية من الملوثات والشوائب.

اتسام الأحمق بالغيرة من الآخرين وطموحه الأناني أن يجيّر كل شيء باسمه ويحرم الآخرين من أن يكون لهم نصيب مما عملوا، من شأنه أن يجعل الأحمق في وضع متوتر وهجومي على الدوام. يا ترى هل هذه التصرفات تحقق للأحمق أي إنجاز يُذكر؟ سأترك الإجابة على هذه الجزئية لكم أنتم أعزائي القراء بعد أن تولوها حقها من الغربلة والتمحيص وشيء من العصف الذهني.

ويليام شكسبير الكاتب المسرحي المعروف، شرح مدى تغلغل الحماقة في المجتمعات وكيف أنها تحولت الى جزء لا يتجزأ من مكونات الحياة اليومية والذي علينا التعايش معه بوعي. شكسبير في فيلمه الكوميدي ”الليلة الثانية عشرة“ استخدم العديد من أمثلة الحماقة، وكانت جميع الشخصيات التي ابتكرها يغلب عليها طابع الحمقى بطريقة أو بأخرى. الشخصيات تلك لم تكن مهمتها ترفيه الجمهور فقط، بل تثقيفه وإطلاعه على حقيقة البشر من خلال كوميديا الأخلاق والتي تصور الحياة اليومية للناس العاديين بما فيهم الحمقى من الناس.