آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

إِن عِشتُ لَستُ أَعدَمُ قوتاً

تمطر السماءُ ما يكفي، وتنبت الأرضُ ما يكفي، فلماذا نجوع؟ هل وسيطٌ سرق الغلة؟ يأتي يومٌ نصرخ فيه شكراً أيها السماء أقلعي، وشكراً أيها الأرض كل سنبلةٍ حملت مائةَ حبة، كفانا ما الله آتانا!

تعطينا الأيامُ خياراً أن نربي أنفسنا وأجسادنا أو هي من يتولى التهذيبَ والتربية،  وفي الأغلبِ الأعم لا يروق لنا عملها فينا. فمثلاً تقول لنا جوعوا قليلاً ولا تحشواْ بطونكمْ بالطعامِ تقوى أجسادكم وتزداد حدةُ أذهانكم في الصفاءِ والإبداع، أو كلوا ما شئتم وحينها تنهش العللُ أجسادكم وتنهكها، وتتبلد أذهانكم فلا حاجةَ لها في الإبداعِ والعمل. نصحني زارعٌ قديمٌ عندما أزرع شجرةً أَلاَّ أضع لها السمادَ قريباً منها مدةً من الزمن، حيث أنني لو وضعتُ لها السمادَ قريباً منها لم تكن لها حاجة لمد جذورها بعيداً للبحث عن الغذاء فلا تكبر وتموت، وبعدما تتجذر في الأرض لا يضرها الغذاءُ القريب والبعيد. وهكذا نحن البشر عندما لا يكون لنا دافعٌ للحركةِ والسعي نحو هدفٍ في الحياةِ نكتفي بالجلوسِ والراحة!

ليس الجوع أن نكون اشباحاً أحادية الأبعاد، بل هو أن نترك فرجةً بسيطةً ونسبةً صغيرةً في معدتنا لا نملأها بالطعامِ والشراب. تلك الفرجة هي الفاصل بين أن نتأوهَ من الجوعِ أو يقتلنا الشبع. ولأن مناظرَ الجوعى الذين يتضورون من شدةِ الجوع ملأت الصحفَ وأجهزةَ بث الصورِ صار الجوعُ يلازم الهلاك والتخلف، والشبع رمز التقدمِ والمدنية وصحة الجسم.

بعد أيام يكون الجوع إلزاماً في شهرِ رمضان في ساعاتِ النهار وهي فترة تدريبٍ لنا على الجوع الذي من المفترض أن تطول بعده تلك التجربة في حدودها الدنيا بقيةَ السنة. ومن فوائد الجوع في شهر رمضان أننا عندما نجوع نشكر اللهَ على ما يتوفر فيه من أي زادٍ كان، ويعتاد أبناءنا على أكلِ ما يوجد ساعة الإفطار، هي نعمة بذاتها أن يشعر أطفالنا بالجوع ويطيب لهم الطعام دون الحيرة أي طعام يأكلون!

ليست دعوة لتزكيةِ الجوعِ والإعظام من شأنه أكثر مما هي دعوة أن نربي في أنفسنا الإعتدالَ الجسدي الذي ينتج عنه اعتدالٌ فكري وروحي والتوقف عن جعل أجسادنا وأجسادَ أطفالنا تمر في دوراتٍ من التسمينِ بالغذاءِ الذي تقدمه المدنيةُ الزائفة ثم إنهاك أجسادنا في محاولة ضبطها والسيطرة عليها. نتألم حين نرى صغارنا يقضونَ الوقتَ بين النوم والأكل بينما يقضي الصغارُ في المجتمعات الأخرى أوقاتهم في العملِ والاجتهاد وكأن النعمة التي جاءت لنا هي سبب جلوسنا وتخلفنا عن غيرنا. نحن الكبار من يجب أن نلوم أنفسنا لأننا أعطيناهم السم في الدسم!

شعر الإنسانُ الذي عاش على السواحلِ بالجوع فحاكَ شباك الصيد، وخافَ من الجوع الإنسانُ الذي سكن البراري فابتكر سهام الصيد ولم يمت أحدٌ من الجوع، ولكن مات ملايينُ الناسِ من أشياءَ أخرى كثيرة!

مستشار أعلى هندسة بترول