آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

ضوضاء اخلاقي

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض من الشعارات الجاذبة، مبررا لتكريس الضوضاء الاخلاقي، بحيث يعمد لازعاج الاخرين بصورة غير مقبولة على الاطلاق، مما يفقد تلك الشعارات الجاذبة القدرة على الاستقطاب، من خلال الاستخدام غير المبرر تجاه الوسط القريب، واحيانا المحيط البعيد، الامر الذي يدفع لاتخاذ مواقف معاكسة، تجاه الاستخدام السيئ للشعارات المرفوعة، والتي تجد قبولا واسعا لدى البيئة الاجتماعية.

قدرة التحمل لدى كافة الناس محدودة، جراء استمرار الضوضاء الاخلاقي، حيث يحاولون في البداية التأقلم مع الوضع الجديد، باعتباره ظاهرة مؤقتة سرعان ما تختفي، باختفاء حالة الهيجان او الفرح المؤقت، بيد ان الاستمرارية وعدم الاستماع لصوت العقل، والكلمة الطيبة، تشكل احد العوامل لاتخاذ مواقف مضادة، تجاه اضرار اصحاب الضوضاء في تجاهل النداءات الصادقة، والمنطلقة من ضرورة مراعاة حقوق الاخرين، وعدم التعدي عليها باي شكل من الاشكال.

محاولة فرض الواقع المعاكس على الاخرين، عملية مرفوضة وغير مقبولة على الاطلاق، خصوصا وان تقمص الدور الابوي، او ممارسة الوصاية على الاخرين، يتطلب الحصول على الموافقة المسبقة، مما يستدعي ايجاد اطار جامع للحصول على الرخصة، في استمرار ”الضوضاء“، وبالتالي فان التحرك الاحادي يجد معارضة من لدن الاطراف المتضررة، من انتهاج السلوك غير السوي في التعاطي مع حقوق الاخرين، نظرا لوجود المبررات التي تدفع باتجاه انتهاج سياسة المعارضة.

وجود نوايا حسنة ليست مدعاة للدخول في سلوك الضوضاء الاخلاقي، فالنوايا الصادقة تدفع باتجاه مراعاة الاخرين، ومحاولة كسب ود المحيط القريب، وكذلك احترام حساسية المجتمع، وبالتالي فان المرء مطالب بتحقيق اقصى درجات الاحترام تجاه البيئة الاجتماعية، من اجل تكريس حالة الوئام، والحيلولة دون خلق نوع من التوتر، نتيجة بعض السلوكيات غير المسؤولية، خصوصا وان الضوضاء الاخلاقي يشكل عبئا كبيرا على راحة الاخرين، نظرا للتداعيات التي تتركها في غالبية الاوقات، مما يستدعي ايجاد الظروف المناسبة لامتصاص اسباب الاختلاف، والسعي للتحرك وفق المساحات المقبولة، والابتعاد عن المسارات الملغومة او المرفوضة.

يتحرك اصحاب الضوضاء الاخلاقي، من قناعات راسخة بامتلاك الحق الكامل، في القيام بمختلف الاعمال، مما ينعكس على تجاهل صوت العقل، الداعي للاستجابة لمناشدات الاخرين، بضرورة التخلي عن الازعاج، والتحلي بالمروة، لتفادي ايجاد شرخ كبير، في جدار العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان الاحترام المتبادل يفضي لحالة من الوئام، وتكريس التلاحم في المجتمع الواحد.

الخصام الكبير، يمثل احد تداعيات استمرار الضوضاء الاخلاقي، فالتحرك المضاد للنسق الاجتماعي، والمناقض لاحترام الاخرين، يدفع باتجاه توسيع دائرة الخلافات، حيث يبدأ الشقاق في شبكة العلاقات الاجتماعية صغيرا، ولكنه سرعان ما يتوسع، مما ينعكس على التماسك الداخلي، سواء كانت على نطاق ضيق او واسع، فالعملية مرتبطة بمدى استجابة اصحاب الضوضاء الاخلاقي، وبالتالي فان التمادي في انتهاج سياسة ”الاذن الصماء“، يسهم في تزايد الخلافات، مما يخلق حالة من التراشق الكلامي، واحيانا يتجاوزه بشكل كبير، بحيث يصل الى الاشتباك الجسدي.

يبقى سلوك الضوضاء الاخلاقي، لغم قابل للانفجار في اية لحظة، خصوصا وان القدرة على ضبط مؤقت اللغم، تختلف من شخص لاخر، مما يفرض على الجميع ازالة الالغام بشكل نهائي، تفاديا للدخول في مسارات خطرة، تعود على المجتمع بالاضرار الكبيرة.

كاتب صحفي