آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

طلاسم الحياة

عندي ولدٌ يسأل أسئلةً ليس لها جواب، طلب مني أن أريه الدنيا حتى يخنقها! قلت: لماذا أنت تريد خنقَ الدنيا؟ قال حتى عندما أكبر لا تؤذيني! أنا أسمع من يخونه الحب يلعن الدنيا، ومن يخسر المال يلعن الدنيا، ومن لا يجد عملاً يلعن الدنيا وأنا طفلٌ أفهمُ بعضَ الأشياء، فلماذا يلعن الغني الدنيا أيضاً، وصاحب القوة والنفوذ يلعن الدنيا؟ ألم تَرَ حتى عازفَ الناي أجمل ألحانه على كلمات ”آه يا دنيا“، لهذا أنا أريد أن أصارعهَا واخنقها.

قلت له: لن ترى الدنيا لأنك تعيش مثل الشرنقة في داخلها لكن خذ هذه المقاربة: الدنيا مسرحٌ كبيرٌ فيه ممثلونَ كثر، الكل يمثل دوراً فوق الخشبةِ الكبيرة، وعندما يخونه نص الحوارِ أو لا يصفق له الجمهور يغضب ويلعن خشبةَ المسرح ”الدنيا“. ولأننا نشاهد مسرحيةَ الوجودِ فصلاً واحداً تلوَ الآخر قد لا يعجبنا المشهد، فلو صبرنا حتى انتهاء كل المشاهد بدا لنا جمالٌ وتناسقْ النص وتناغم الممثلين مع أدوارهم. أما الواقع فليست الدنيا إلا أنا وأنتَ وباقي البشر نتأرجح على حِبَالِ القَدرِ الرقيق بين جبلينِ يطلانِ على وادٍ سحيق، بين الجبر على الإمساكِ بهذا الحبل تارةً وبين التفويضِ والإختيار أن نمسكَ بذاكَ الحبل تارةً أخرى علينا أن نسير، وفي هذا المسير يمكننا أن نمطرَ الدنيا لعناً أو نمطرها صمتاً وفكراً أين الخطوة التالية التي بعدها ننط فوقَ الأرض.

لا تنتهي أسئلةُ الصغير فيعيد جوابي صدى سُؤالٍ آخر: إذاً كيف أستريح فيها؟ قلت له: لن تستطيع! أنت مثل ذاكَ الذي يقدح زندَ النارِ من تحتِ الماء فلا ينقدح. كن قريباً من مُخرج الحياة واسأله أن يعطيكَ النَّص لترى المشهد كاملاً وتطمئنَ إلى دوركَ في المسرحية. ثم عليك أن ترضى بدورك فيها وتقوم به أفضل من الباقين، سوف يعجبك الدور ويصفق لك المشاهدون! ومع كل هذا الوهم وقلةِ الحيلة قل: ”رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا“ ومتع ناظريكَ بكل ما تشاهده عيناك.

في الواقعِ سؤالُ صغيري هو سؤالٌ أسأله نفسي كل يومٍ ولا أجد له عندي إلا خليطاً من الصمتِ والقبول. منظرٌ واحدٌ في سنواتٍ قليلة يراقبه الفقير بتعب، ويراه الغني في ترف، فيهِ يلتذ العابدُ في سجوده ويكرع العاشقُ من خمرِ الهوى طولَ وجوده، والكل يتزاحم على الشربِ من محيطٍ مالح، كلما شربوا ازدادوا عطشاً!

لعل الصغير عندما يكبر يعطيني الجواب، أنا أخبره مشاهدَ من مضوا وهو يخبرني مشاهد من يأتوا لتكون الرؤيةُ حبلاً ممتداً في الزمنِ الذي تتكشف فيه فصول المسرحية تباعاً...

مستشار أعلى هندسة بترول