آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

المعارك البطولية

محمد أحمد التاروتي *

يتقن البعض فن المعارك الخيالية، التي تتضمن الكثير من البطولات الزائفة، بغرض الظهور بمظهر القائد الفذ والضرورة، خصوصا وان نسج القصص البطولية يتطلب إمكانيات، لا تتوافر في الجميع، فهي بحاجة الى خيال واسع يتجاوز المعقول احيانا، الامر الذي يدفع البعض باتجاه تأليف المعارك البطولية، من اجل الحصول على الثناء والمديح.

الارضيّة الخصبة لتقبل اصحاب المعارك البطولية، يسهم في تنامي هذه الظاهرة غير الصحية، فهذه الشريحة ليست قادرة على العيش في بيئة تحارب مثل هذه السلوكيات، مما يدفعها للتخلي عن ادعاء البطولات في الاحداث المفصلية، بينما تبدأ هذه الفئة في الترعرع والانتشار في البيئة الاجتماعية الحاضنة، حيث تحاول استغلال النوايا الحسنة، واحيانا الساذجة، من خلال نشر البطولات الكاذبة وغير الواقعية على الاطلاق، وبالتالي فان المجتمع يمثل المؤشر الحقيقي وراء بروز، او تلاشي اصحاب المعارك البطولية.

المعارك البطولية لا تجد أصداء واسعة لدى شريحة من المجتمع، نظرا لصعوبة تمرير تلك البطولات بسهولة، مما يتطلب اجراء تعديلات كبيرة في طريقة عرض تلك المعارك، من اجل تمريرها وايجاد الارضيّة المناسبة لقبولها، الامر الذي يتجسد في تغيير احداث تلك المعارك، واحيانا ابطالها، بهدف التلاعب في النهايات وفقا للحقبة الزمنية، والمحيط الاجتماعي، وبالتالي فان لعبة المعارك البطولية تستدعي التأقلم مع الوضع السائد، مما يجعلها متحركة في كثير من الاحيان، وليست جامدة تبعا للمكاسب المتوخاة من سرد تلك البطولات.

محاولة الحصول على المكاسب الاجتماعي، وتبوأ مكانة بارزة في المجتمع، تمثل ابرز العوامل المحركة وراء لعبة المعارك البطولية، فهناك شريحة تسعى من وراء القصص البطولية احتلال مواقع متقدمة، نظرا لصعوبة ارتقاء درجات المجد بدون تحوير، بعض الاحداث المفصلية او التاريخية، بغرض الاستفادة منها في تعظيم الفائدة الشخصية، الامر الذي يفسر التركيز على تلك المعارك، وتسجيل مواقف بطولية، من اجل كسب التعاطف لتحقيق المآرب الخاصة.

استغلال الذاكرة الضعيفة لدى شريحة اجتماعية، يشكل احد المحركات الاساسية للتلاعب بالعواطف، فالعديد من الشرائح تفتقر للقدرة على رصد الاحداث بشكل دقيق، فضلا عن الاحتفاظ التفاصيل الواقعية، الامر الذي البعض للتلاعب بمسلسل الاحداث بما يخدم المصالح الشخصية، وبالتالي فان افشال المعارك البطولية مرهون بامتلاك التفاصيل الدقيقة للأحداث، مما يحرم اصحاب البطولات من التلاعب بالأحداث، نظرا لصعوبة ادخال تعديلات جوهرية في المعارك، سواء كانت الصغيرة او الكبيرة.

محاربة اصحاب البطولات الكاذبة امر ضروري، من اجل تنظيف البيئة الاجتماعية من اصحاب هذه الامراض، خصوصا وان انتشار هذه الظواهر يعود على الشرائح الاجتماعية بالأضرار الكبيرة، مما يستدعي اسكات هذه الأصوات منذ البداية، وعدم السماح لها بالظهور، او محاولة اختراق المساحات المفتوحة، لتحقيق أغراضها الخاصة، بمعنى اخر، فان البطولات مكانها ميادين القتال، وليس في المجالس المغلقة، ”هذا الميدان يا حميدان“، فالبطل الحقيقي يترك المعركة تتحدث عنه، من خلال المواقف البطولية، فيما البعض الاخر ينزوي جانبا عن المعركة، ويبدأ في تسطير البطولات الوهمية، من خلال استغلال بعض المنابر الاعلامية.

كاتب صحفي