آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

الميزانية السعودية بين العجز والفائض

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

قبل الحديث عن الفائض الذي حققته الميزانية للربع الأول من عام 2019، من المفيد بيان أن هذا فائض حدث نتيجة تعاضد موردين: الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية، وهذا أمر لم يكن يحدث منذ أن سيطر النفط على الخزانة العامة. ما تغير هذا العام أن الإيرادات غير النفطية أصبحت مساهما واضح الأثر في تغذية الخزانة العامة. وهذا أمر لطالما سعت المملكة إلى تحقيقه، انطلاقا من أن تنويع مصادر الخزانة العامة كان مطلبا لكسر استئثار النفط بالأمر. وبذلك يمكن القول: إن الفائض الذي حققته الخزانة في الربع الأول يمثل بواكير إعادة هيكلة المالية العامة. الأمر الآخر، ولا بد من تناوله هو استخفاف البعض بالنمو المطرد للإيرادات غير النفطية، ويبررون ”استخفافهم“ بأن هذه الإيرادات غير الحكومية هي محصلة جباية ضرائب ورسوم. واستغرابهم هذا مستغرب والسبب أن إيرادات الحكومات عادة هي رسوم وضرائب، وهكذا فالإيرادات غير النفطية ستكون بطبيعتها وكنهها عبارة عن رسوم وضرائب، هذا صحيح في هذا البلد وبقية البلدان. نعم، لدينا ثروة نفطية وهي تمول الخزانة العامة بما يسمى إيرادات نفطية، وهذا خفف عنا لعقود ولا يزال.

وهكذا، فإن الإنجاز ليس في الفائض كقيمة، بل إن الحكومة السعودية انتهجت نهجا ماليا صعب المركب، وتمكنت من أن تحقق نتائج إيجابية في تنمية إيرادات الخزانة عبر تنويعها. أما التنويع بحد ذاته فليس هدفا بل وسيلة لتحقيق غاية وهي تعزيز استقرار إيرادات الخزانة العامة، بما يخلصها من تأرجحات الإيرادات النفطية نتيجة تذبذب سعر برميل النفط، وهو تأرجح ليس بالإمكان تهميش تأثيره، فقد رسم للتنمية الاجتماعية السعودية مسارا متعرجا متقلبلا على مدى العقود الثلاثة الماضية، منذ بداية الثمانينيات، بين تأخير وتعطيل التنمية وعدم وضوح الرؤية فيما يتصل بالإنفاق الحكومي. وهو وضوح ضروري ترتكز إليه رؤى الجهات المستفيدة، ولا سيما القطاع الخاص.

إذا الإيرادات غير النفطية تجلب تنوع إيرادات الخزانة التي تعزز الاستقرار المالي، وتمكن من هيكلية مالية تتيح للخزانة رسم مسار واضح للإنفاق على المدى المتوسط بما يعزز الوضوح والتنبؤية، وبذلك يكون بوسع الجهات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء التخطيط لمتوسط المدى باعتمادية عالية، لا تقوم على حق النقض الذي لطالما امتلكه النفط. ولا أقول إن خزانتنا العامة تحررت بعد من سطوة النفط، لكن قطعنا شوطا كبيرا في الطريق صعبة المركب. وهي هيكلية تقوم على التوليف بين الإيرادات النفطية وغير النفطية والاستدانة في سبيل توفير التمويل اللازم للإنفاق على الميزانية والوفاء بالتزاماتها. وهذا أمر مغاير للهيكلية التقليدية القائمة على أن الإنفاق مرتبط بالإيرادات النفطية عاما بعام.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى