آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

شهر ضيافة الله ”6“

محمد أحمد التاروتي *

تمثل السلوكيات اليومية الواجهة الأبرز، لمجموعة القيم والمعتقدات الذاتية، فالمرء يتحرك وفق القناعات في التعاطي مع المحيط القريب، وكذلك مع البيئة الاجتماعية، مما يدفعه لترجمة تلك المبادئ والمعتقدات في السلوك الخارجي، الامر الذي يكشف التباين بين شخص واخر بشأن المعاملات اليومية، ونوعية الخطاب الموجه، وبالتالي فان الاحتكاك المباشر يمثل الشهادة الحقيقية الكاشفة للجوهر، بعيدا عن مختلف انواع المكياج، الذي يغطي بعض الوجوه احيانا، ”الدين المعاملة“.

التعاطي المباشر يكشف المعدن الثمين والزهيد، فالمرء بامكانه التواري لفترة زمنية، لإخفاء حقيقة قناعاته وسلوكياته، ولكنه يفشل في ابقاء تلك السلوكيات طَي الكتمان، لاسيما وان الممارسات اليومية مع الاخر قادرة على إماطة اللثام عن المنظومة الاخلاقية، وبالتالي فان ”التجربة خير برهان“ في إعطاء الصورة الصحيحة للكثير من الادعاءات، بمعنى اخر، فان الاحتكاك المباشر كاشف عن الكثير من الاخلاقيات للكثير من البشر، باعتبارها الوسيلة الاكثر قدرة على وضع الامور في النصاب الصحيح.

رسم صورة ناصعة البياض مرتبطة بامتلاك القدرة على الاستقطاب، وامتصاص الخلافات الجانبية مع الاخر، فالمرء باستطاعته خلق الظروف المناسبة لإشاعة الوئام، والسلام مع الاخر، فهو يحدد مسار حياته وطبيعة العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فان التحلي بالصفات الحسنة، ومحاولة قطع الطريق امام مختلف المشاحنات، يعكس الصورة الحسنة لمجموعة القيم الاخلاقية، التي تحركه باتجاه العلاقة مع الاخرين، الامر الذي يجعله محور استقطاب على الدوام، كما يمتلك الانسان الاليات القادرة على توتير الاجواء مع القريب، والبعيد في الوقت نفسه، فاذا كانت السلوكيات سيئة مع الاخرين، فانه يضع نهاية حزينة لطبيعة علاقاته الاجتماعية، ”عاشروا الناس معاشرة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا اليكم“.

تربية النفس على الاخلاقيات عنصر حيوي، في تقويم السلوك الخارجي، فالمرء بامكانه كبح جماح السلوكيات الشريرة عبر الارادة القوية، باعتبارها السلاح الاكثر قدرة، على ضبط إيقاعات التعاملات اليومية، وبالتالي فان تقويم السلوك الخارجي ينطلق من القناعات الذاتية، عبر استخدام الاليات المناسبة للحفاظ على العلاقات الاجتماعية، والحيلولة دون اثارة المشاكل على اختلافها، مما يمهد الطريق امام ابقاء الامور تحت السيطرة على الدوام، من خلال تجاوز الاشكالات الهامشية، ذات الأثر السلبي على السلوك الاجتماعي.

الاختيار الصائب لشبكة العلاقات الاجتماعية، تشكل احدى الوسائل لتكريس الاخلاقيات الحسنة، والابتعاد عن السلوكيات السيئة، ”لا تسأل عن المرء واسأل عن صديقه“، ”صديقك من صدَقَك وليس من صدقّك“، وبالتالي فان التحلي بالأخلاقيات الحسنة يكون احيانا بوجود الصديق المناسب، لاسيما وان صديق السوء يدمر جزء من الاخلاقيات الفاضلة، فالمرء يكتسب جزء من السلوكيات من البيئة المحيطة، مما يستدعي اختيار البيئة المناسبة، والابتعاد عن الوسط السيء، لما يمثله من خطورة كبرى، على الانسان سواء على الصعيد الذاتي او الاجتماعي.

شهر رمضان المبارك بما يحمل في طياته من طاقات روحية، فرصة لاحداث تحولات جذرية في السلوكيات الخارجية، خصوصا وان المرء يعيش وسط بيئة اجتماعية، مما يفرض عليه اكتساب السلوك الحسنة، لما تمثله من انعكاسات ايجابية، فالتعاملات الحسنة تنشر المحبة في النفوس، وتطرد البغضاء والاحقاد من القلوب، ”واحفظوا ألسنتكم، وغُضّوا عمّا لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحل الاستماع إليه أسماعكم“ كما جاء في خطبة الرسول الاكرم ﷺ، بمناسبة شهر رمضان المبارك.

كاتب صحفي