آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 2:36 م

شهر العافية: 3

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم -... «184» شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «185»... - صدق الله العظيم - البقرة.

الحياة لا تمشي على وتيرة واحدة. في كل عصر، تأتي أشياء جديدة وتموت أخرى. قد تأتي عادات سيئة لاستبدال عادات حميدة «قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» أو العكس. على مرِّ الأزمان، دخلت مستجدات إلى مجتمعاتنا ومنها التبغ وتوابعه والتلفزيون بمختلف مصادره. في العادة، يأتي التحريم لكل جديد حتى حرّم البعض من قَبْلُ الدراجة الهوائية التي سميت ”حصان إبليس“ وقد تم جلد راكبيها. التلفزيون وصحون الاستقبال تم تحريمها، ولكنها أثبتت وجودها حتى استحوذ عليها الذين حرموها من قبل؟!!!

الشبكة العنكبوتية دخيل جديد ابتدأت في نهاية القرن الماضي وازدهرت في هذا القرن. ومن خلالها أتت أدوات التواصل الاجتماعية. الشبكة العنكبوتية؛ مثلها مثل غيرها، قد تكون مفيدة أو العكس، ولكن الأغلب، تتعرض لإساءة الاستخدام، وهذا لا يعني الاستغناء عنها لأن البعض يسيء استخدامها، مثلها مثل السكين. سنركز هنا على أدوات التواصل والتي يسميها البعض ”التبغ الكبير“ نظرا لشياعها وإدمان الناس عليها. والإدمان صفة سيئة حتى بدأ الناس «على الأقل العاقلون منهم» بتوخي الحذر مع محاولة الحدّ من هذه الظاهرة التي قد تغير أنماط الناس وطريقة تعاطيهم مع الواقع، خصوصا الجفاف الذي يتعرض له الناس من خلال البعد الجسدي مع الآخرين. القرب يعطي دفئا لا يمكن الحصول عليه من خلال الافتراضيات.

النقلة النوعية لأدوات التواصل العصرية بدأت في عام 2004م مع الفيسبوك «Facebook». وكان الهدف من الفيسبوك تبادل أخبار الأصدقاء والمقربين وليست كمصدر للأخبار العامة. أدوات التواصل انتشرت في الهواتف المحمولة عندما حاول ستيڨ جوبز استبدال الآيپود «iPod» ببديل أفضل. كان الآيپود جهاز يستخدم لتخزين الصوتيات وسماعها لاحقا بدلا من أن يحمل المستخدم معه أشرطة أو أسطوانات تتطلب جهاز آخر لتشغيلها. حينها «عام 2007م» قام جوبز بابتكار الآيفون «iPhone» والذي يخفف على المستخدم حمل آلتين؛ الهاتف المحمول والآيپود. وبسبب وجود الشاشة، تطورت الصوتيات إلى مرئيات وألعاب إلكترونية. حينها تزاوج الفيسبوك والآيفون وانتشر الاثنان انتشار النار في الهشيم.

مؤخرا، انتبه الناس أن أدوات التواصل تأكل جزءا كبير من وقتها الثمين والتفت الآباء لانشغال أولادهم بهذه الآلات الدخيلة وأخذت تبعدهم عن التواصل الجمعي الحقيقي، كما أن الكثير من النشء تململوا من الدراسة حتى باتوا يأخذون أجهزتهم لداخل الفصول وتبادل الحديث بينهم بعيدا عن الانتباه للمدرس ولمادة الحصة. للأسف، الكثير من البشر مجبولون على إساءة استخدام الأمور «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ» حتى بات يستخدم هذه الأدوات المجرمون ومروجو المخدرات ومذيعو الإباحيات، ومثل هذه الأمور مصيدة مغرية للصغار وضعاف النفوس.

هذا لا يعني أن أدوات التواصل كلها شر. وهذا لا يعني أننا نستطيع الاستغناء عن هذه الأدوات التي تغلغلت في حياتنا بصورة متسارعة حتى بات الرضع مشغولين بها حيث بسّطت مهام الآباء المشغولين الذين لا يعلمون مدى فداحة هذا الفعل وخطورة هذه الأدوات على تركيز الطفل وطريقة تنشئته وأنه قد يكون عرضة للتحرش ولقمة سائغة للالتهام من قبل العناكب السامة التي لا تنفك تغزل شباكها المؤذية لكل ضعيف أو ساذج.

من خلال هذ المتسارعات، أنشأ كال نيوپورت «Cal Newport» فلسفة جديدة بمسمى التقليل الرقمي «digital minimalism»، وذلك للتقليل من ضرر وإزعاج هذه الأدوات مع استخدامها فقط لما هو ضروري.

مع شهر رمضان المبارك، حاول أن تستفيد من هذه الفلسفة الجديدة. الجهاز المحمول مفيد للاستماع للذكر وقراءة الدعاء والمفيد وتعلم الأشياء الجديدة المفيدة والبحث فيما تريد لدعم دراساتك وأبحاثك وزيادة في ثقافتك. وسنأتي على بعض النصائح التي قد تفيدك وذلك من خلال التقليل من إهدار وقتك الثمين:

1. عطل خاصية الاشعارات لجميع البرامج الموجودة في جهازك. لا تجعلها تجرك إليها. اذهب لها حينما تريد فقط، وعيّن وقت متواصل ومخصص لهذه الأشياء لا يمكنك تجاوزه؛ مثلا، ساعة في اليوم.

2. قدر المستطاع، قلّل من هذه البرامج ولا تكثر منها وتُنَصِّب في جهازك جميع برامج التواصل المتاحة.

3. ضع لنفسك قوانين صارمة لاستخدام هذه الأدوات، وركز على المفيد وابتعد عما يضيع وقتك ويزعج الآخرين. العاقلون والحكماء والنافذون لا يهتمون كثيرا إن احتسيت قهوة في ستاربكس أو شربت الشاي عند الغراب؛ فقط، الفارغون يهتمون لمثل هذه القضايا. العاقلون سيصنفونك من ضمن خانة التافهين إن أكثرت من هذا السلوك.

4. حاول أن تنتبه لما تفعل وصنّف المفيد من الضار والجيد من التافه. بعد تصنيفك، ابتعد كليا عما يضر ولا ينفع.

5. حاول أن تقيس الوقت الذي تُوَفِّر من بُعْدِك عن السفاسف واستخدم هذا الوقت في أمور أهم؛ مثلا، زيارة أقاربك، قراءة كتاب، القيام بهواية يدوية مفيدة،... الخ.

6. البعض يقول إنه لا يستغني عن أدوات التواصل. هل يستطيع هؤلاء أن يسردوا الأمور التي لا يستغنون عنها مع معرفة الأسباب؟

7. اعطِ لوقتك قيمة. مثلا، لو كنت طبيبا، كم ستجني في ساعة عملك؟ مئتي دولار مثلا. هل أنت مستعد للتفريط في مئتي دولار لأجل متابعة تفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع؟

8. قلل من الدخول في المجموعات والانضمام إلى مناوشات لا يستفيد أحد منها غير شحن النفوس.

هذه القائمة مجرد مثل، ويمكنك أن تضيف إليها ما تشاء، ولا تبخل بإيصال ما تعلمته للآخرين.

يقترح عليك فلاسفة التقليل من أضرار أدوات التواصل أن تمكث شهرا كاملا للتخفيف من مُلِمَّاتها. استغل شهر رمضان المبارك لفعل ذلك. دوّن ملاحظاتك الآن وقارنها بعد شهر، وانظر إلى تطورك في هذا المضمار. علمنا ما توصلت إليه وأفدنا بخبرتك في هذا المشروع.

جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

1. Cal Newport «2019». Digital Minimalism: Choosing a Focused Life in a Noisy World. Portfolio «Penguin Random House». http://www.calnewport.com/books/digital-minimalism/
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل