آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

شهر ضيافة الله «12»

محمد أحمد التاروتي *

تحريك النفوس للمبادرة في عمل الخير قيمة اخلاقية عظيمة، فالتحفيز عملية ضرورية لطرد التراخي، او اللامبالاة لدى البعض، مما يستدعي اثارة الضمائر الحية باتجاه تعزيز عمل الخير، باعتباره احدى التجليات لمبدأ التعاضد والتكافل، خصوصا وان للبعض بحاجة للتشجيع الدائم لمحاربة التكاسل، الذي يعتري بعض النفوس بين فترة واخرى، ”من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تسعة ألاف سنة صائما نهاره قائما ليله“، ”حوائج الناس من نعم الله عليكم لا تملوا النعم“.

عملية التحفيز لمواصلة العطاء، وخدمة الاخرين، لا تقتصر على جانب دون اخرى، فهي ليست مقصورة في البذل المادي، او المساعدات العينية الملموسة، وإنما تشمل الكثير من الاعمال ذات الأثر الايجابي على المجتمع، فأحيانا لا يتجاوز العمل رفع حجر من الطريق لتفادي تعثر المارة، ”إماطة الاذى عن الطريق صدقة“، وبالتالي فان عمل عمل الخير مهما تتصاغر، فانه اثره يبقى ماثلا في الضمير الاجتماعي، ”لا تستح من إعطاء القليل فان الحرمان اقل منه“.

القدوة عنصر جاذب في تعزيز عمل الخير في النفوس، فالممارسة العملية اكثر وقعا على النفوس، من عشرات الخطب ومئات الصحف في الكتب، خصوصا وان المجتمع يدرس ويقتدي بالتجارب ويتجاهل البلاغة الكلامية، وبالتالي فان محاولة رسم طريق الخير يكون بالتطبيق العملي، بغض النظر عن الاستجابة الاجتماعية، فالإصرار على تقديم المساعدة لخدمة الصالح العام، يحدث حالة من الإكبار والتقدير، من لدن العديد من الشرائح الاجتماعية، مما يحدث اثر ايجابيا احيانا خلال فترة، وجيزة وتارة اخرى على المدى البعيد.

البعض باستطاعته احداث ضجيج كبير، في الحث على مساعدة الاخرين، ومد يد العون، ولكنه يتعثر على الصعيد العملي، الامر الذي ينعكس على صورته في المجتمع، بحيث يفقد الكثير من التقدير والاحترام، جراء التناقض الكبير في السلوك العملي، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ.

قيمة عمل الخير يتجاوز الأثر المادي كثيرا، فهو يكرس الكثير من القيم الاخلاقية في النفوس، خصوصا وانه يفتح الطريق امام انتشار هذه الاعمال، من خلال الانخراط المباشر في دعم مبادرات الخير، واحيانا فتح باب المنافسة للبحث عن اعمال خير اخرى، الامر الذي يسهم في اتساع الدائرة كثيرا، وبالتالي فان عمل الخير يبدأ فرديا وصغير، ولكنه سرعان ما يتسع بشكل عمودي وأفقي خلال سنوات قليلة، نظرا لوجود بيئة حاضنة قادرة على رفد هذه الاعمال بالجهد والمال، الامر الذي ينعكس على شكل مبادرات قائمة تؤتي ثمارها كل حين.

انتظار الثناء والمديح من المجتمع، يقتل الحماس والمبادرات الذاتية، لإطلاق قطار عمل الخير، خصوصا وان ردود الفعل لدى البيئة الاجتماعية، تتفاوت تبعا لطبيعة التفكير، والمستوى الثقافي، الامر الذي يتجسد على شكل رفض لبعض المبادرات الجديدة، وغير المألوفة، ”الناس اعداء ما جهلوا“، بينما تستقبل بعض المبادرات برحابة صدر، والقبول السريع، وبالتالي فان التحرك تبعا لردود الفعل يقضي على بذرة الخير لدى البعض، خصوصا وان لا يتحمل النكران والجحود، مما يدفعه للتخلي عن المبادرة بشكل نهائي، الامر الذي يحرم المجتمع من احدى مبادرات الخير.

شهر رمضان موسما خصبا، لإطلاق عمل الخير في مختلف المجالات، فهو يزود الانسان بشحنة كبيرة للمبادرة في خدمة الاخرين، طمعا في نيل الثواب من الخالق، " أيها الناس مَن فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه ".

كاتب صحفي