آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

شهر ضيافة الله «14»

محمد أحمد التاروتي *

احدى العلامات الفارقة بين المجتمعات الحية، والاخرى الميتة، تتمثل في مستوى التكافل الاجتماعي، وارتفاع مستوى تحسس معاناة البعيد قبل القريب، فالمجتمع الذي يحاول رفع المستوى المعيشي، لمختلف الطبقات الاجتماعية، يتجاوز الكثير من المحن، ويعيش حالة من الاستقرار الداخلي، نظرا لاختفاء الاحقاد وبروز حالة الوئام، جراء احساس الجميع، بنوع من التماسك المادي والمعنوي، الامر الذي ينعكس على مستوى العلاقات الاجتماعية السائدة، «مازال جبرئيل «عليه ‌السلام» يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه».

التواصي حالة ايجابية، تنم عن شعور بما يجري من متغيرات، وتحولات، سواء كانت طبيعية او مفصلية، فالانعزالية تنم عن انانية لا تخدم صاحبها قبل غيره، فالمرء الذي يحاول الانغلاق على نفسه، لا يجد سوى المعاملة بالمثل، الامر الذي يحرمه من الحصول على المساعدة او النصيحة، سواء في أوقات الرخاء او زمن الشدة، فيما التواصي يكشف عن صفاء السريرة وشعور كبير، بحجم المسؤولية تجاه البيئة الاجتماعية، الامر الذي ينعكس على شكل ممارسات فردية احيانا، وجماعية احيانا اخرى، مما يحدث حالة من الاخاء والتعاضد بين أفراد المجتمع.

التكافل الاجتماعي لا ينحصر في المساعدات المادية، فهناك تصرفات بسيطة، ولكنها تعطي ثمارها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، بحيث تبقى محفورة في الذاكرة لفترة طويلة، وبالتالي فان حصر التكافل الاجتماعي في إطار محدد، يكشف عن قصر في النظر، وتواضع في أدارك، هذه القيمة الاخلاقية الرفيعة، فربما وقعت كلمة طيبة في القلوب اكثر وقعا، من أموال طائلة، ”الدين المعاملة“، لاسيما وان السلوك الخارجي يحدث اثر طيبا لدى المتلقي في الغالب، ”أحسن مجاورة من جاورك، تكن مؤمنا“.

الأثر الكبير للتكافل الاجتماعي، يمكن تلمسه في الكثير من الممارسات الخارجية، اذ يسهم في انتشال بعض الشرائح الاجتماعي، من حالة العوز والفقر، الى مستوى الاستقرار المعيشي المقبول، مما يقضي على احد الامراض الاجتماعية الخطيرة، فالمجتمع الذي يعاني من البؤس والفقر، يرزح تحت الجهل والتخلف في الغالب، فيما المجتمع الذي يعيش حالة من رغد العيش، يمتاز بالتقدم وانتشار التعلم، وبالتالي فان التكافل الاجتماعي يسهم في احداث تحولات جذرية في بنية التفكير الاجتماعي، خصوصا وان الاسر الفقيرة ليست في وارد الدفع باتجاه العلم، وانما تتحرك باتجاه تأمن لقمة العيش لتجاوز خطر الموت، ”حسن الجوار يعمر الديار، ويزيد في الأعمار“.

الوازع الديني والشعور بالمسؤولية محركات اساسية، لبث ثقافة التكافل الاجتماعي، خصوصا وان النزعة اللامبالية تترك اثرا سلبيا في طبيعة العلاقات الانسانية، مما يعزز الحالة الانعزالية وتجاهل مختلف نداءات التعاضد الصادقة، بحيث تترجم على شكل تفكك داخلي غير مسبوق، بخلاف الشعور بالمسؤولية التي تحرك الجانب المضيء في النفس، مما ينعكس بصورة مباشرة على تفاعل ايجابي مع المبادرات ذات الطبيعة الاجتماعية، ”من حسن الجوار تفقد الجار“، ”حسن الجوار يزيد في الرزق“.

يحدث شهر رمضان اثرا عميقا في النفوس، في تعزيز قيمة التكافل الاجتماعي، حيث يدفع باتجاه تحسس معاناة الشرائح المتعففة، مما يخلق حالة من التواصل الايجابي، وبالتالي احداث نوع من الرضا لدى الاسر المحتاجة، ”عليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك“، ”اتقوا النار ولو بشقّ تمره، اتقوا النار ولو بشربة ماء“.

كاتب صحفي