آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

شهر ضيافة الله «19»

محمد أحمد التاروتي *

المبادرة ثقافة مكتسبة واحيانا ذاتية، فهي من جانب مرتبطة بالبيئة الاجتماعية السائدة، من جانب اخر ثقافة ذاتية تحركها الحاجة او المساعدة، وبالتالي فان اطلاق المبادرة تارة تكون بتحفيز اجتماعي ضاغط، باتجاه تقديم الافكار الابداعية، وتارة اخرى مرهونة بتحسس المرء بعض الاحتياجات الاجتماعية، مما يدفع للبحث عن الحلول القادرة على سد تلك الاحتياجات، سواء كانت مادية او معنوية.

زرع ثقافة المبادرة في النفوس يولد الحيوية، والتجديد الدائم في مفاصل المجتمع، لاسيما وان الجمود يوحي بموت البيئة الاجتماعية جراء الروتين القاتل، فضلا عن الافتقار للعناصر القادرة على تجديد الشباب والدماء لدى مختلف الاجيال الاجتماعية، مما يدفع بقوة نحو خلق المناخ المناسب لنشر ثقافة المبادرة، ومحاربة الأصوات الداعية للحالة السلبية، ورفض اطلاق المبادرات ذات الأثر الايجابي، على حيوية المجتمع، ”إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ“، وبالتالي فان ثقافة المبادرة تعكس سيطرة الحالة الايجابية على النظرة السلبية.

وجود مبادرات عديدة ظاهرة ايجابية، خصوصا وان الميول والقدرات تختلف باختلاف التوجهات الفكرية والثقافية، الامر الذي يخلق حالة من التكامل الاجتماعي، لاسيما وان الجهود الجماعية تصب في المصلحة المشتركة، مما يستدعي استيعاب الجميع، وعدم تهميش المبادرات سواء كانت صغيرة او كبيرة، فالمرء مطالب بتقديم العمل وفقا لاستطاعته، وامكانياته المادية والمعنوية، ”لا يكلف الله نفسا الا وسعها“، وبالتالي فان محاولة نسف بعض المبادرات، كونها لا تتوافق مع التوجهات، او تتناقض مع بعض القناعات، لا يخدم المجتمع بقدر ما يسهم في خسارة بعض الطاقات القادرة، على تقديم الكثير من الاعمال، في رفد المسيرة النهضوية الاجتماعية.

وجود البرنامج القادرة على تحريك ثقافة المبادرة، خطوة اساسية في وضع الكثير من الفئات العمرية في المسار الصحيح، فالبرنامج قادر على تفجير الطاقات الكامنة، من خلال دراسة الميول، وتعزيز التوجهات لدى جميع الافراد، الامر الذي يسهم في استقطاب الجميع وفقا للاحتياجات الاجتماعية، وكذلك الايمان بالقدرات الكبيرة لدى الجميع، بحيث تخرج على شكل افكار صغيرة، ولكنها سرعان ما تتحول الى مبادرات قائمة، من خلال الدعم المادي والمعنوي في مختلف الاوقات.

ثقافة المبادرة عملية، لا تقوم على شريحة محددة، او فئات معينة، فهي عملية تراكمية ومستمرة، ومتوارثة عبر الاجيال، وبالتالي فان الثقافة ليست مفردات تكتب في بُطُون الكتب، ويتم تدارسها في المحافل العلمية، بقدر ما تستوطن في الممارسة اليومية، والتفكير الاجتماعي، فالمجتمع الذي يتعامل مع المبادرات على اختلافها بمسؤولية، واهتمام يتغلب على جميع العراقيل، التي تعترض طريق توليد الكثير من المبادرات المستقبلية، بمعنى اخر، فان الثقافة ليست مجموعة افكار تتداول لدى بعض الشرائح، وإنما ممارسة عملية تظهر على شكل احتضان كبير، لمختلف اشكال المبادرات الجديدة والقديمة على حد سواء.

شهر رمضان المبارك يمثل احدى المناسبات القادرة، على تكريس ثقافة المبادرة في النفوس، من خلال تعزيز التحريك الذاتي لعمل الخيري، ونشر هذه الاعمال على الملأ، من اجل نشر هذه الثقافة في النفوس اولا، وتكريسها في المجتمع ثانيا، ”اتقوا النار ولو بشقّ تمره، اتقوا النار ولو بشربة ماء، فإن الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عَمِل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه“.

كاتب صحفي