آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

علي فاز ورب الكعبة

عبد الرزاق الكوي

بقلوب تقطر أسى وعيون تذرف الدمع أتقدم بأحر التعازي والمواساة لمقام رسول الله صلى الله عليه واله وأهل بيته الميامين سادات أهل السماوات والأراضين سيما بقية الله الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف والمسلمين أجمع بذكرى إستشهاد مولى الموحدين وأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب .

قل لابن ملجم والأقدار غالية هدمت ويحك للإسلام أركانا
قتلت افضل من يمشي على قدم وأحسن الناس اسلاما وايمانا
واعلم الناس بالقران ثم بما سن الرسول لنا علما وتبيانا
صهر النبي ومولاه وناصره أضحت مناقبه نورا وبرهانا
وكان منه على رغم الحسود له مكان هارون بن موسى بن عمرانا
ذكرت قاتله والدمع منحدرا فقلت سبحان رب العرش سبحانا
قد كان يخبرنا «أن» سوف تخضبها شر البرية اشقاها وقد كانا
فعظم الله لنا ولكم الأجر ولعن الله قتلة أمير المؤمنين.

السلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى امك السيدة فاطمة بنت اسد وعلى ابيك ابو طالب الناصر والمدافع والداب عن الرسول. السلام عليك يا امام المتقين وسيد الأوصياء وخليفة المسلمين بطل العرب حيدر المرتضى يعسوب الدين قائد الغر المحجلين أسد الله وأسد رسوله. فأنت يامولاي العنوان المحفور على اللوح، نور الإنسانية وإشراقة الفكر التي لن تأفل أبد الزمان، مفتاح الفلاح وميزان التقوى، المصدق الاول بنبوة محمد صلى الله عليه واله، ونهجه القويم سيف الرسالة الخالد ودرعها العظيم باب علم المصطفى منهل الحكمة والقران الناطق انت والحق صنوان بعل البضعة وأبو الأئمة خير من عبد الله تعالى. وليد الكعبة المشرفة تربى على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، دافع عن الرسول الأكرم وجاهد دفاعا الاسلام ونصر الله على يدية رأية الإيمان فكان نعم الداب عن الاسلام وعن الرسول، انه حجة الله على الخلق بعد الرسول صلى الله عليه واله، الانسان الكامل الذي تجلت فيه أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فكان مظهرا للتوحيد كان فيه خلاصة النبوة وعصارة الولاية، حمل جميع أوصاف النبي من علومه ومعارفه وأسراره المودعة فيه سوى النبوة، فهو الداعي والهادي الى سواء السبيل والنهج المستقيم والمنهاج القويم والنبأ العظيم، عنده علم الكتاب وفصل الخطاب. اشتق أسمه المبارك من العلي الأعلى سبحانه وتعالى، فكان خليفة الله في الارض، فكان ولا يزال البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي المطهر من الذنوب والمبرأ من العيوب المخصوص بالعلم والموسوم بالحلم عز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.

ان كل ما اصطلح على تسميته بعلوم الاسلام من نحور وكلام وعرفان وتفسير، يعود للإمام الفضل في ارساء دعائمهما باعتراف كبار الصحابة.

قال امير المؤمنين فيما أسداه الرسول الأكرم إليه:

«وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه واله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه وكلن يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، ما وجد لي كذبه في قول، ولا خلطة في فعل».

قال عنه الرسول صلى الله عليه واله:

«هذا الإمام الأزهر ورمح الله الأطول وباب الله الأكبر، فمن أراد الله فليدخل من الباب. هذا القائم بقسط الله والداب عن حريم الله والناصر لدين الله وحجة الله على خلقه».

وقال المصطفى صلى الله عليه واله:

«من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى ابراهيم في حلمه، وإلى يحي بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن ابي طالب»

فمن يعرف قدر امير المؤمنين غير الله جل وعلا والرسول الأكرم صلى الله عليه واله، فهو جامع الفضائل والمكارم، أعداءه كتمو فضائله حنقا وخوفا وبغضا، واتباعه وو محبينه أخفوها خوفا وتقية، ومع هذا فقد ملأت فضائله الخافقين.

ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وتضافر العلماء وتحير الحكماء وكلت الشعراء وعجز الأدباء وعبئت البلغاء عن وصف شأنه أو فضيلة من فضائله.

يقول الرسول صلى الله عليه واله:

«لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا وأخدو تراب نعليك وفضل طهورك ويستشفون به».

كانت دموعه تجري على خديه مخاطبا النبي صلى الله عليه واله، بعد جهاده في الدود عن الاسلام، لقد فاتتني الشهادة، فيبشره النبي صلى الله عليه واله انها وراءه فيبقى حياته ينتظر لحظته الموعودة، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، وهي من ليالي القدر، فقد استشهد على يد الخارجي أشقى الأشقياء، ضرب اتقى الأتقياء، والناصر الدائم، الوفي للرسول الأكرم حين قال «فزت ورب الكعبة» فسال منه الدم ولطخ وجهه الكريم ولحيته البيضاء. وطوال الأيام الثلاثة كان الامام يلهج بذكر الله، والرضا بقضاءه والتسليم لأمره. كانت مصيبه ما اعظم منها مصيبة كانت اشد المصائب التي تعرضت لها الأمة، بعد فقد النبي صلى الله عليه واله. فقد خسرت الأمة الأب الحنون والخليفة العادل ولكن ذلك الفوز الذي وعده الرسول الأكرم، اللحظة الذي كان ينتظرها بشوق ليختم حياته شهيدا في محراب الصلاة، ليولد في اطهر البقاع ويستشهد وهو يصلي في بيت من بيوت الله، اشتاق للقاء الله واشتاقت له السماء، ولهذا قالها متيقنا فزت ورب الكعبة، فاز بعد قضى حياته لله تعالى وفي سبيل الله وفي خدمة الرسول صلى الله عليه واله ودفاعا عنه، فاز بعد ما تجاوز وتحمل الفتن الذي احيكت له ورسمها أعداء الاسلام والرسالة. فاز لانه على يقين من سلامة دينه وصحة موقفه وخطأ مخالفيه، صبر واعطى وكانت الجائزة ما كان ويشتاق يتمنى وتذرف دموعه حسرة على فواتها وهو يخوض الحروب مع الرسول صلى الله عليه واله، من اجل أعلاء كلمة الله بعزيمته الصادقة وبإرادته الربانية برؤية واضحة وبصيرة عالية.

من غير علي أن يقول وقت مفارقته الذنيا فزت ورب الكعبة، انها السلامة في الدين واليقين في الخاتمة الصحيحة. ولعظمة الحدث وكبر المصيبة بمجرد الإعلان عن الوفاة سمع صوت جبرائيل بين الارض والسماء ينادي «تهدمت والله اركان الهدى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء».

ضجت الكوفه وسائر المدن بالبكاء والعويل على الأب الحنون والخليفة العادل، الذي امتلأ قلبه رحمة.

قال تعالى: ﴿ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.