آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

شهر ضيافة الله «20»

محمد أحمد التاروتي *

النصيحة تمثل احساسا بالمسؤولية تجاه الغير، فالناصح يسعى من وراء إسداء النصيحة، التوجيه الصحيح للطرف الاخر، لاسيما وان الانغماس في الطريق الخاطئ تكون اثاره وخيمة على المجتمع، فالعملية لا تقتصر على فئة دون اخرى، ”الشر يعم والخير يخص“، مما يستدعي انتهاج طريق التوجيه المسؤول، لتفادي الانزلاق نحو الهاوية، نظرا للمخاطر الكبرى الناجمة عن السكوت على الاخطاء الكارثية، ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“.

المسؤولية الملقاة على عاتق الانسان تجاه أخيه، تفرض انتهاج طريق النصيحة بالحسنى، لاسيما وان اُسلوب التعنيف والتقريع على رؤوس الإشهاد، يعطي نتائج سلبية وتسبب الخلافات والخصام، ”وَ مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ: سِرّاً: فَقَدْ زَانَهُ. وَ مَنْ وَعَظَهُ: عَلَانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ“، وبالتالي فان الاختيار المناسب في إسداء النصيحة تعطي ثمارها في الغالب، الامر الذي يستدعي توافر الاشتراطات المناسبة للبدء في التناصح، نظرا لاهمية استخدام الاساليب الملائمة.

التعامل بمسؤولية مع الجميع عملية مطلوبة، فالانتقائية في تقديم النصيحة تكشف عن حالة مرضية، او ظاهرة غير صحية، لاسيما وان تقسيم المجتمع بين حليف وعدو، لا يخدم بقدر ما يترك اثارا سلبية، على طبيعة العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فان التعاطي مع الجميع بطريقة واحدة يساعد على انتشال بعض السلوكيات الضارة، ويسهم في تكريس حالة التواصي القائمة على التناصح، بمعنى اخر، فان المسؤولية تفرض التحرك على قدم المساواة مع الجميع، فالتفريق يحدث ثغرة كبرى يصعب سدها، نظرا للتداعيات المستقبلية على الثقافة المجتمعية، ”“ اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش".

تحمل المسؤولية، ومحاولة تصويب بعض السلوكيات الشخصية، او الممارسات العامة، ليس مدعاة لتصيد الاخطاء في كل صغيرة وكبيرة، فالمرء مطالب بممارسة نوع من التغافل، والتجاهل في بعض الاخطاء، لاسيما وان الاخطاء غير المقصودة او الصغيرة، لا تتطلب الوقوف أمامها، او محاولة تضخيمها، وبالتالي فان النصيحة مرتبطة بالسلوك غير المستساغ، او الاخطاء الجسيمة ذات الأثر السلبي، على المسار الحياتي، او المسيرة الاجتماعية، خصوصا وان استمرار بعض السلوكيات يعزز بعض الثقافات السلبية على المجتمع، الامر الذي يستدعي التدخل السريع لايقاف تلك السلوكيات الخطيرة، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.

القسوة في استخدام النصيحة ليست مطلوبة دائما، فالمرء بامكانه تلمس قدرة الطرف المقابل على الاستيعاب او القبول، مما يستدعي اختيار الأسلوب المناسب والمؤثر، لاسيما وان البعض بحاجة للكلام القاسي للتأثير، وايقاف بعض السلوكيات الخاطئة، وغير المستقيمة، فيما يجدي الكلام اللطيف مع البعض الاخر، نظرا لوجود القابلية لتقبل النصح، وبالتالي فان انتهاج طريقة موحدة للتعاطي مع الاخر، من الاخطاء الكبرى لحدوث حالة من النفور، وعدم الاستجابة للنصح، «مَن نَصَحَكَ فَقَد أنجَدكَ».

تبقى الكلمة الفصل لدى الطرف المتلقي، فهو القادر على الاستيعاب، ومحاولة التقبل، وعدم اتخاذ ردود افعال سلبية، لاسيما وان النصيحة تنطلق من الحرص الكبير لتصحيح السلوك، ومحاولة القضاء على الظواهر السلبية، باعتبارها جراثيم خطيرة تقضي على الخلايا السليمة، مما ينعكس بصورة مباشرة مع مجمل الاخلاقيات الشخصية، «مَن أعرَضَ عَن نَصيحَةِ النّاصِحِ أُحرِقَ بِمَكيدَةِ الكاشِحِ».

احد الدروس المستفادة من شهر رمضان المبارك، تتمثل في التناصح في الخير، وعدم السماح بالسلوكيات الخاطئة، نظرا للاثار النفسية والمادية الناجمة، عن تفشي السلوك السقيم لدى الفرد والمجتمع، "مَن حَسُن منكم في هذا الشهر خُلْقه كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام".

كاتب صحفي