آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

شهر ضيافة الله «21»

محمد أحمد التاروتي *

أعطى الامام علي دروسا عظيمة، منذ اللحظة الاولى لسقوطه شابخا بدمه في المحراب، نتيجة ضربة ابن ملجم اثناء الصلاة، فالامام رفض التعامل مع القاتل بالانتقام، ”لا تقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله «صلّى الله عليه وآله» يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور“.

رحمة سيد الأوصياء بعدو الله ابن ملجم، استمرت طيلة ايام مرضه، فقد كان يوصي اهل بيته بإطعامه مما يأكلون، وعدم التضييق عليه كثيرا، بالاضافة الى اعطائه من طعامه الخاص، مما يكشف طريقة أخلاق سيد الأوصياء مع الاعداء، فالحقد لا يجد بابا في قلب امام المتقين على الاطلاق، الامر الذي يؤسس قاعدة في الاليات المفترضة، في التعاطي مع الأسرى سواء في الحروب، فالأخلاق ينبغي ان تكون حاكمة في جميع الاحوال، وكذلك الابتعاد على الجور في التعامل مع العدو.

وضع سيد الأوصياء قانونا حاكما في التعاطي مع الاعداء، فالنظرة الانسانية تشكل المحرك الاساس وراء طريقة التعامل، مع ابن ملجم بعد ارتكاب جريمته الكبرى، اذ رفض إعطاء الأذن في القصاص منه في حياته، بقوله ”ان أنا عشت فانا وليه“، كما ان الامام وضع خطوط حمراء، في التعاطي مع المصيبة الجلل، من خلال قوله ”لا تقتلوا إلا قاتلي“، وبالتالي فان القاعدة الثابتة التي أسسها تقوم على مبدأ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

يقف المرء عاجزا امام طريقة تعامل الامام مع قاتله، فمهما حاول المرء استيعاب فانه سيكون مدهوشا، وغير قادر على الوصايا العديدة، بحسن التعامل مع ابن ملجم اثناء الاسر، بيد ان الانسان لا يمكنه الا التسليم، بان هذه الاخلاق لا تصدر الا من نفس رسول الله ”فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ“، فهذه الاخلاق صادرة من وصي سيد الخلق ﷺ، الذي وصفه القرآن ”وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ“.

في ذكرى استشهاد سيد الأوصياء ، يستذكر الانسان هذه الوصايا العظيمة، لطريقة التعامل مع العدو، خصوصا في ظل الانتهاكات غير المسبوقة، التي تمارس مع الخصم دون مراعاة لاقل الحقوق، فضلا عن تجاوز العديد من الخلافات الإطار الضيق، بحيث تشمل الدائر الواسعة، من اجل توسيع دائرة الانتقام، وإلحاق الضرر، باكبر عدد ممكن من الاطراف القريبة من الخصم.

غياب الإطار الاخلاقي الكامل، في تضييق الخناق على الخلافات، ساهم في انتشار الكثير من الممارسات غير الانسانية، فالبعض يتخذ من القصاص شعارا، للخوض في الدماء دون وازع ديني او اخلاقي، الامر الذي يتمثل في استباحة الأرواح بطريقة عشوائية، بدون ضوابط تذكر، مما يستدعي استذكار وصية سيد الأوصياء لابنائه، بضرورة حفظ كرامة ابن ملجم، وعدم استخدام جريمته العظمى، وسيلة لاستخدام وسائل خارج الإطار الشرعي، فهو - الامام - طيلة ايام مرضه يحرص على إيصال الاكل للأسير، ”هل أطعمتموه“، مما يدلل على وجود اليات حاكمة، في التعاطي مع الأسرى.

تبقى شهادة امام المتقين ذكرى أليمة على الجميع، هذه الذكرى أدمت العيون والقلوب، اللهم العن قتلة امير المؤمنين .

كاتب صحفي