آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

شهر العافية: 23 – طغيان اللاشعور (ز)

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم ... «142» وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ «143» ... – صدق الله العظيم – البقرة.

الكثيرون في هذه الدنيا يظنون أنهم حياديون. ولكن في الواقع هم ليسوا كذلك؛ أكثرهم منحازون لأنفسهم وظالمون لغيرهم، وهذا واقع قد يراه المظلوم أكثر من الظالم. ولكن حتى المظلوم يظلم غيره، وهكذا هي الدنيا؛ يسلط الله الظالم على كل ظالم، ولكن الظالم لا يشعر إلا بالظلم المسلط عليه. على كل حال؛ الحمد لله أنه هو الحكم الوحيد يوم القيامة، وإلا تورطت العباد. نحن لانزال نسمع توزيع عقارات الجنة للناس على أنفسهم وحجز مقاعد النار لغيرهم، وكأن الله رهن إشارتهم ويحكم حسب رغباتهم. البعض من هؤلاء مثل الذي يمّن على الناس بعبادته ويشرط على الله: وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ (11 – الحج).

الظاهر سائد لأنه سهل المتناول لدرجة أن أكثر علماء الدين ركزوا على ظواهر الأشياء (الفقه) بينما لا تجد لهم حضور يشار إليه في الأمور الجوهرية وتحسين النوايا وتربية النفوس، وهذا في الواقع يعطي انطباعا مغايرا لمقاصد الله والأنبياء في تطبيق الدين على الأرض، لذلك تجد حرص الأتباع ينصب حول الظاهر، وهذه أمور تجعل الأرضية خصبة للرياء والنفاق. البعض على استعداد لأن يموت من أجل طقس معيّن ولكن تجده سيء خلق، وربما لا يصلي حتى لأنه يظن أن هذه القشور أفضل وأنجى، خصوصا إذا سمع من رجل دين أن الطقس الفلاني أهم وأفضل من الصلاة؟! يتحمس الناس للطقوس لأنها تضخ مركب الدوپامين في الجسم بشكل متدفق، يكيّف عليه الممارس، وهو لا يعلم لماذا هو مندفع نحو هذه الطقوس ويظن أنها أهم ما في الدين.

في تجربة، زرع باحثون رجالا يسرقون من أسواق كبيرة. بعضهم كان رثّ اللباس، والآخر مهندم. بعضهم بيض، وبعضهم ملونون. تعمّد هؤلاء السرقة أمام الناس. في كثير من الأحيان، تغاضى الناس عن المهندم، أو حينما يبلّغون عليه يشكّون في صحة ما رءوا، بينما كانت تصرفاتهم معاكسة تماما لمن لم يعجبهم شكله. مثل هذه التجارب تؤكد أن معظم الناس شكليون في الغالب وينحازون لقناعاتهم المسبقة نحو اللبس والشكل واللون والعرق والدين والمذهب. هنا يتدخل اللاوعي في الحكم. تذكروا أن اللاوعي هو المحامي، بينما الوعي هو العالِم؛ حينها، يحدث صراع بين الاثنين، ولكن الراجحَ فوزُ اللاوعي على الوعي.

هذه العادات موجودة في كل زمان ومكان، حتى في الدول المتقدمة، ومن الصعب جدا أن ينتبه الناس لهذه التصرفات التي أصبحت أمرا طبيعيا بالنسبة لهم. في ذلك قال ألبرت آينشتاين: "الحس السليم مجموعة من التحيزات يكتسبها المرء قبل بلوغه الثامنة عشر من عمره". وفي نفس الموضوع قال: "أنا بالتراث يهودي، وبالمواطنة سويسري، وبالشكل إنسان. أنا مجرد إنسان، دون أي ارتباط خاص إلى أي دولة أو كيان وطني".

من الملاحظ أن الإسلام سبق البشر بالتعاليم الإنسانية والفضيلة والعدل والمساواة حتى غضب المتغطرسون من الأنبياء (    فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ؛ 27 - هود). الرسول ﷺ حدد الفضل بالتقوى، وليس بالأفكار الجاهلية القائمة على العنصرية. الفقراء والمساكين والبسطاء كانوا جُلَّاس الأنبياء والأوصياء، ولم يمتعض الأنبياءُ منهم حيث كانوا يأكلون ويتسامرون معهم. أهل الجاهلية رفضوا هذه المساواة لأنهم خضعوا لعصبيات رسخت في لاشعورهم وتمكنت منهم وسيطرت عليهم.

من الملاحظ أن الكثير من المسلمين عادوا للجاهلية ولكن بلباس ديني يَسقِط فيه ضعاف النفوس ويُسْقَطُ بسببه دعاة العقلانية والحب. إن أردنا للناس أن تأخذنا على محمل الجد وأن تثق فينا وتصدّقنا فعلينا أن نطبّق تعاليم الإسلام الأولى، وعلينا ألا نقول إن الجنة خلقت لأجلنا وإن النار لغيرنا. علينا ألا نزكِّي أنفسنا ونتهم غيرنا. كل هذه الصفات مقزّزة ومنفّرة. البعض يستغرب من الأفواج الخارجة ويعزو القضية إلى مؤثرات خارجية قد تكون ثانوية بالنسبة لهذا الخروج. سبب الخروج داخلي، وإن لم يستوعب الدرس من يهمهم الأمر، فلا ملامة على من خرج لأن من حمل المسؤولية لا يمتلك البصيرة الكافية لكشف الأمور، وهذا بحدِّ ذاته مؤشر خطير يضع الحَمَلَةَ تحت المجهر حيث يتعجب أناس ويشك آخرون في كفاءتهم.


https://www.goalcast.com/2017/03/29/top-30-most-inspiring-albert-einstein-quotes/

1. Mlodinow, Leonard (2012). Subliminal: How Your Unconscious Mind Rules Your Behavior. Vintage.
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل