آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:46 م

شهر ضيافة الله «23»

محمد أحمد التاروتي *

احياء ليلة القدر بالعبادة امر مطلوب، باعتبارها فرصة لا تتكرر الا مرة واحدة السنة، مما يستدعي الاجتهاد والاستعداد النفسي والجسدي، لاستقبال هذه الليلة العظيمة، لاسيما وأنها تمتاز عن غيرها كونها ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وبالتالي فان المرء مطالب لاستغلال هذه المناسبة بالشكل المطلوب، ”ذهاب الفرصة غصة“ و”الفرصة تمر مر السحاب“.

الأحاديث تحث وترغب المسلم على تحري ليلة القدر، والعمل على احياء الليالي المحتملة، نظرا لإخفائها في العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك، لاسيما وان الأقدار والأرزاق تكتب وتقسم في ليلة القدر، ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم، ”ولكن إذا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قسم فيه الأرزاق، وكتب فيها الاجال، وخرج فيها صكاك الحاج، واطلع الله عزوجل إلى عباده، فغفر لمن يشاء إلا شارب مسكر، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين فيها يفرق كل امر حكيم“، ”الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ينزل فيها ما يكون في السنة إلى مثلها من خير أو شر أو رزق أو أمر أو موت أو حياة“، مما يستدعي توطين النفس على العبادة في هذه الليلة العظيمة كونها تقع في افضل الشهور، ”شهر رمضان سيد الشهور، وليلة القدر سيدة الليالي“.

رجاء المسلم لنيل غفران الله في ليلة القدر، يدفعه التضرع والتذلل، والاجتهاد في العبادة، ”من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال ومكائيل البحار“، الامر الذي يفسر الحرص الكبير على التواجد بكثافة في بيوت الله لساعات طويلة، حيث تستمر مراسم التهجد والتعبد حتى ساعات الفجر الاولى.

تجديد المسيرة الحياتية في ليلة القدر عملية ضرورية، فالمرء مطالب بتجديد العهد مع الخالق، لاسيما وان الانسان سيبدأ مرحلة جديدة وحديثة، فهذه الليلة تشكل انعطافة للسنة القادمة، مما يستدعي وضع برنامج متكامل قادر، على احداث تغييرات جذرية في الحياة، الامر الذي ينعكس على طبيعة العلاقة مع الخالق، وكذلك شبكة العلاقات الاجتناعية، سواء مع الاسرة او المجتمع.

فلسفة ليلة القدر تتجاوز طبيعة التفكير المحدود لدى الانسان، ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، فمهما حاول المرء الإحاطة بخفايا ليلة القدر، فانه سيبقى قاصرا في الوصول الى الأسرار الحقيقية، وبالتالي فان الانسان مطالب بالاجتهاد للاستفادة من الليلة العظيمة، بما يعود بالفائدة عليه في الدينا والاخرة، بمعنى اخر، فان التحرك الايجابي باتجاه تصحيح المسار على الصعيد العبادي والدنيوي، يمثل احد الدروس المستفادة من ليلة القدر، لاسيما وان الاستمرار على نمط واحد، يحرم المسلم من التزود من اشعاعات، ليلة تعد خير من الف شهر.

افاضات ليلة القدر قادرة على تجديد المسيرة الحياتية، لاسيما وان التفكير في الأشهر الماضية امر مطلوب، لأخذ الدروس منها، وبالتالي فان ليلة القدر تمثل اللحظة الحقيقية، للانطلاق بصدق نحو التجديد الشامل، بما يحقق الصلاح الدنيوي والاخروي.

كاتب صحفي