آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

الفوتوغرافيون والبرمجة الجمالية

أثير السادة *

على غرار المباحثة في الحوزات العلمية، يحدث أن نلتقي صدفة أنا والصديق السيد مفيد العوامي، فنتبادل الرأي حول مساحة مفتوحة من الهم الفوتوغرافي، نمسك بملف أو قضية أو حتى صورة ونقلب أحوالها ونسبر أعماقها، وشاغلنا صرف الوقت أولاً، وشرب القهوة ثانياً، وفهم الصورة ثالثاً.

هذه المرة كان النقاش الحوزوي، أعني الفوتوغرافي، يتركز حول انغلاق التجارب الفوتوغرافية في حيزنا الجغرافي على نمطية معينة، لا تعرف الكثير من المغامرات الجمالية، بمعنى انصراف الجميع إلى الانضباط والالتزام فنياً، والتماثل والتشاكل موضوعياً، فلا اختراقات كبرى تذكر يمكن أن نجعلها محطات أو مفاصل توحي برغبة الخروج عن الثقافة الفوتوغرافية المهيمنة.

آفاق الاشتغال البصري واسعة اليوم، وأشكال الحوار الإبداعي بين الفنون تتعدد وتتنوع، وإغواءات وإغراءت الصورة لا تقف عند حدود التطورات التقنية للممارسة، بل هي تذهب بعيدا في اختبار ماهية الصورة وفلسفتها، وإيقاعها الداخلي، من أجل انتاج حساسيات فنية مختلفة، حساسيات قادرة على صناعة السؤال وصناعة الدهشة.. هذا هو ما يفتح شهيتنا للسؤال عن هوامش الاختلاف كشرط إبداعي في فضاء الممارسة الفوتوغرافية، وعن التكوين الثقافي للمصور المحلي، وفي هذه البقعة على وجه التحديد.

هذا العمق التاريخي لتجربة التصوير بالقطيف مثلا يرفع بالضرورة من سقف التوقعات، والطموحات التي تبحث لها عن مساحة لتحقق الفرادة والتميز، لذلك كان النقاش محمولا على المقارنة بين المحاولات التي قدمها هذا الطيف الفوتوغرافي وبين أسماء متناثرة على خارطة الوطن خلخلت الصورة التقليدية لفعل التصوير، وجربت أن تؤسس لنفسها مساراً فنياً مغايراً.. عقدان من الزمن مرا على تأسيس جماعة التصوير بالقطيف نشطت فيها الكثير من الأفكار والأسماء، واتسعت دائرة النشاطات والموضوعات، خرجنا معها من لحظات الصورة الفيلمية إلى الصورة الرقمية بكل وعودها، كانت التجربة على ما بها من صعود وهبوط علامة فارقة في فضاء التجربة المحلية، غير أن الجهد المبذول تكرس في انتاج مبدعين بحس مدرسي، شديدي الانضباط لمزاج المؤسسة/الجماعة، ما قلص من حظوظ التنوع الفني، محمولين في فترة طويلة على الافتتان بروح المسابقات الدولية، وما تحرض عليه من إنتاجات بصرية مقننة برغبات محكميها ومطلقيها.

حتى في لحظة الانفتاح الذي ساهمت فيه فضاءات الانترنت، والتي جلبت لنا العالم بكل ما فيه من معلومات وإبداعات، كانت سلطة الجماعة - وهي سلطة مجازية - تعزز الرغبة في التماثل عبر الدورات الساعية إلى برمجة المزاج الفني الذي اختار أن يتحصن من المغامرات الجمالية بالانسجام مع روح الجماعة واتجاهاتها.. مؤكد بأن التجربة الإبداعية لهذه الجماعة قطعت شوطاً من البدايات وحتى اليوم، من يراجع صور المعارض الأولى ويقارنها بالمعارض الأخيرة يلمس هذا الثراء الموضوعاتي والإمكانات الإبداعية، وهو جزء من سياق تحولات الصورة عموماً، إلا أن التحدي الذي نبحث عنه هنا هو في وضع الممارسة في موضع الاختبار الفني، والتصعيد من رغبة الاختلاف التي تملك أن تنتج ذوات إبداعية متفردة، ملهمة، وذات حضور يتجاوز فضاء الإقليم إبداعاً وتأثيراً.

الفوتوغرافيون المحليون بحاجة إلى جرعات عالية من القلق الإبداعي ليختبروا أدواتهم وأفكارهم، ويقدموا تجارب تخرجهم من صورهم الأولى إلى صور جديدة، فالمبدع دأبه التجدد والتحول، وهذا لا يكون إلا بالانفتاح على التجارب العالمية في تنوعها، والانفتاح على أسئلة الصورة الثقافية والجمالية، وقبل ذلك النضال المستمر في سبيل الخروج من الفرح بتجاربنا الحالية، فحتى التكرار يفقد الإبداع قيمته، والمغامرات الفنية وإن فشلت يكون لها الفضل في التحريض وفتح هوة للتفكير.

هذا بعض ما دار في المباحثة الصباحية والله من ورء القصد.