آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

مِن «عَمّك أصمخ» إلى «5G»

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

تدفع التحولات المتسارعة التي تحدثها ثورة الاتصالات، بصور متداخلة، وأبعاد تتشابك عناصرها في هذا العصر، حتى تكاد أن تمسك بكل أوجه الحياة التي نعيشها.

وفي وقت سابق عبّر المفكر السعودي الدكتور عبدالله الغّذامي عن مفهوم السيطرة للشاشات الثلاث في بنية المجتمع الإنساني المعاصر، حينما أشار إلى التلفزيون والكمبيوتر والهاتف، كدلالة للدخول الواسع والمؤثر لتكنولوجيا الاتصالات وما تنتجه من آثار وتغيرات جذرية في مختلف الأنحاء والاهتمامات الحياتية التي يمر بها أول عقدين في الألفية الثالثة.

ونتذكر في عام 2000 كانت خدمات شبكة الإنترنت في بداياتها تقريبًا وهواتف عادية، مع بروتوكولات اتصال وتكنولوجيا محدودة السرعة والحجم، لكننا اليوم وبعد عقدين، نجد مليارات البشر يستخدمون الهواتف الذكية وسط موجات الاتصال الكهرومغناطيسية التي تتوسع تردداتها يومًا بعد يوم، على أيدي خبراء ومهندسي شبكات وتقنية الاتصالات في البلدان المتطورة على مستوى العالم.

وحينما كانت مقولة الآباء «عمّك أصمخ» تشير إلى الشخص الذي يصله الكلام منطوقًا، غير أنّه لا يبدي تفاعلًا مع نصّ الرسالة التواصلية التي وصلته، وكأنّه أصمخ، أي: أصمّ، جاءت ثورة الاتصالات لتدمج الكلام الملفوظ في الرسم المكتوب وفي الموجة الصوتية المسجلة، وخلال الصورة المرئية الثابتة أو المتحركة.

ليس هذا فحسب، بل إن مفهوم أجيال تقنية الاتصالات صار أمرًا مألوفًا لدى غير المختصين. فإذا كان جيل «G1» قادرًا على الاتصال الصوتي عبر هاتف نقال، فإنّ الجيل «G2» صار لديه إمكانية كتابة رسالة قصيرة كذلك، فيما كان الجيل الذي يليه «G3» يتيح الفرصة للهواتف الذكية بقدرات وأنظمة اتصال أوسع وأسرع.

وهكذا وصلنا إلى جيل «G4» الذي نعايشه حاليًا بسرعاته الكبيرة، وقدراته على التعامل مع التطبيقات التي صارت ضمن الروتين الحياتي الذي نعيشه، للسهولة والمرونة التي يشعر بهما كل مستخدم.

أما خاتمة العقدين، فهو جيل تقنية الاتصال «5G» التي نعيش أولى إرهاصاتها، وحتى اللحظة لا تزال إلى تأسيس بنية تحتية قادرة على تقديم هذه التقنية التي هي محلّ تجاذب ساخن ونقاشات متباينة، خاصة حول ما يشاع عن المخاطر الصحية التي جاءت ضمن بعض النشرات المرتبطة بذلك.

ولعل ولع المنتظرين لاستخدام تطبيقات الواقع المعزز والواقع المختلط عبر هذه التقنية الاتصالية، هو من أوجه التسابق نحو استخدام هذه التقنية، التي لا تزال بحاجة إلى تناول، خصوصًا لمحدودية المحتوى العربي الذي يتناولها كدراسات موضوعية.

وربما كان مشهد الاحتفال لدورة رياضية في كوريا الجنوبية، حينما يطير تنين في أرجاء الملعب، عبر استخدام التقنية ذاتها، كان أمرًا مثيرًا، وستكون إثارته أكبر لدى عشاق الألعاب الإلكترونية أو تطبيقات المحاكاة لقيادة الطائرات أو الشاحنات.

إنّ أبناء هذه الألفية سيعيشون اللهفة الإلكترونية كلّ ساعة، وكأنّهم يطبّقون المقولة القديمة: اعطني شبرًا، وبلا شكّ سوف أطلب منك باعًا.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.