آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

المفردة.. السوقية

محمد أحمد التاروتي *

الخطاب يكشف مكنون صاحبه، فالأخلاق يمنع صاحبها من الانحدار، لاستخدام المفردة السوقية او النابية، لذا فالمرء الذي يحترم ذاته يترفع عن مبادلة السباب بمثله، او استخدام الكلمات النابية، في الخصومة او الاختلاف، سواء كانت سوء الفهم طارئا او جوهريا، انطلاقا من القيم الاخلاقية التي تقف حائلا امام الانحدار، لمثل هذه السلوكيات السوقية، ”كل إناء بالذي فيه ينضح“.

استخدام المفردة النابية في الخصومة، تكشف عن انعدام النبل الاخلاقية، وكذلك تعري صاحبها امام الجميع، فالبعض يحاول التواري خلال المساحيق التجميلية، لإخفاء العيوب الاخلاقية، ولكنه سرعان يسقط بمجرد حدوث اشتباك طارئ، او حقيقي مع بعض الاطراف، مما يدفعه لاستخدام المفردات الخادشة للحياء او الكلمات النابية، الامر الذي يقود لازالة جميع المساحيق التجميلية، التي تغطي الوجه القبيح، بمعنى اخر، فان التخفي ومحاولة اظهار الجانب الجميل، سرعان ما يظهر امام الملأ، بمجرد الدخول في خصومات، سواء على الإطار الشخصي او الفكري.

الافتقار للحجة الدامغة، وعدم القدرة على مسايرة قوة المنطق، عناصر اساسية في توجيه لغة الاختلاف الى المفردات السوقية، فالضعيف يجد في استخدام الكلمات النابية مخرجا مؤقتا للإفلات من الزوايا الحرجة، نظرا للافتقار للأدوات اللازمة، لمواصلة الاختلاف بالطريقة المثلى، وبالتالي فان العملية مرتبطة بخطر السقوط، وعدم القدرة على تحقيق الانتصار، في معركة الاختلاف، مما يحفز على استخدام الأسلوب القذر في التعاطي مع الخصم، خصوصا وان التحرك غير المدروس في افتعال الخصومة، يجبر البعض على استخدام اللغة السوقية، نظرا لامتلاك الخصم لجميع الأسلحة القادرة، على تحقيق الانتصار في الجولات الاولى.

يتجلى السقوط في نوعية المفردات السوقية المستخدمة، حيث تشكل بعض الكلمات صدمة لدى المتلقي، مما يعطي انطباعات سلبية عن طبيعة المرتكزات الاخلاقية، لتلك الاطراف، خصوصا وان مخزون الكلمات النابية كبير، ولا يقف عند مستوى محدد، حيث تبدأ الخصومة ببعض المفردات، ولكنها تتطور لتغزو الخطاب المتداول، مما يكشف الكثير من الخفايا، ويؤسس لحالة من الانفصام التام بين الوجه الظاهر، والمستوى الاخلاقي الباطني، الامر الذي يمثل حالة من النفاق الاخلاقي، في طبيعة العلاقة مع البيئة الاجتماعية.

اللجوء للغة السوقية بمثابة الهروب للامام، فالبعض يحاول اسكات الخصم عبر استخدام المفردات الجارحة، وغير المألوفة في المجتمع، لإدراكه بوجود قيم اخلاقية لدى الطرف المقابل، تحول دون استخدام ذات المفردات، بالتالي فان التحرك باسقاط قناع الاخلاق، يمثل الخطوة الاخيرة، بعد استنفاذ جميع الاوراق، والخيارات في معركة الاختلاف، مما يعني اعترافا ضمنيا بالهزيمة، وكذلك عدم القدرة مع مقارعة الحجة بالحجة، نظرا لامتلاك الخصم الاوراق الرابحة، في معركة الاختلاف الشخصي او الفكري.

المفردة انعكاسا واضحا عن المستوى الثقافي للمرء، الامر الذي يفسر الاختلاف الكبير بين الخطاب النخبوي، والخطاب السوقي، فالاول يحرص على الارتقاء بالذوق العام، لرفع المستوى لدى المتلقي، فيما الثاني لا يتورع عن استخدام المفردات النابية، نظرا لانعدام القيم الاخلاقية المانعة لانتهاج هذه الطريقة، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“.

تبقى عملية اختيار المفردة ضرورة في الارتقاء بالخطاب، بحيث تكون اكثر وقعا على المتلقى في الخصومة، فالاختلاف ميدان حقيقي لاسقاط كافة الاقنعة، التي تخفي الوجوه الحقيقية، مما يستدعي الالتزام بالخطاب الاخلاقي، عوضا من اطلاق اللغة السوقية، بمجرد حدوث اختلاف طارئ.

كاتب صحفي