آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

الإمام الصادق (ع) معين لا ينضب

ما نشاهده من معاهد دينية وحوزات علمية شامخة في مناطق عديدة هي شواهد حاضرة على منبع سلسبيل هو الإمام الصادق ، وهذه الحركة الفكرية تقوم على بحث وتدقيق واستنطاق منهجية واحدة، هي كتاب الله تعالى والسنة المطهرية الصحيحة المروية عن محمد ﷺ وآله الطاهرين لتتفرع منها العلوم المختلفة من قرآنية وحديثية وفقهية وعقائدية وأخلاقية، بل لتمتد تعاليمها للجوانب العلمية والثقافية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية ومختلف الأصعد الحياتية، لتمثل هذه المنظومة المعرفية دستورا لطالبي العلم والمعارف الحقة فيتناولوها بالتدبر والتأمل والتبصر والاستنتاج.

وبقيت راية هذه المدرسة العلمية لأهل البيت مرفرفة في أفق الحركة الفكرية والعلمية بكل زخم وتوهج، تردف وتزود عشاق المعرفة بمجموعة كبيرة من مفاتيح النضج الفكري والهداية والرشد.

وإنه لمن الإجحاف والحيف الفكري أن لا تتحفنا المجامع الفكرية والمعاهد والجامعات بكثير من الدراسات والبحوث حول مفصل مهم في الحركة المعرفية في حياة البشر، والتي بقيت تأثيراتها على جميع التخصصات العلمية وتنتقل من جيل إلى جيل، فلماذا لا نجد مقاربة - ولو بسيطة - تتناول فقط الكلمات المأثورة عن الإمام الصادق ، والتي يكفي التمعن وبسط الحديث عن واحدة من هذه اللآليء إلى نتائج كبيرة على المستوى الفكري والثقافي؟

بلا شك أن صور الحرمان تتعدد وتتشكل في عدة اتجاهات وأودية، ومنها الحرمان المعرفي المتمثل بصم الآذان وتغافل العقول عن إبصار الآثار المعرفية لهذا الإمام العظيم، مع أن الأبجديات الأولى لطلب العلم هو الأمانة العلمية والانفتاح على مجمل الحركات الثقافية بغض النظر عن القناعة بها، فمع الأخذ من الثقافات القديمة كاليونانية الفلسفية والحضارات المختلفة، فلماذا الإغماض عن هذا التراث الإسلامي الكبير والذي يمكن له أن يغير مجرى القناعات والثقافات إن انبسطت بالتأمل والتقصي فيه؟!

الإمام الصادق وإن كان امتدادا لسلسلة الهداية الذهبية المتمثلة بمدرسة أهل البيت ، والتي أظلت الناس كافة بنور وهداية ما يحملونه من علم رسول الله ﷺ، ولكن الظروف شاءت أن يكون على يديه الانتشار الواسع في الحواضر الإسلامية وغيرها، حيث اجتمع التلاميذ حول منبره وانثالوا عليه لينهلوا من معين علمه وعذب حكمته من كل الأقطار والأمصار وبمختلف اللغات، فتحصلت حركة علمية متسامقة البناء وشامخة الجدر ومتكاملة المنهج، في منظومته المكونة من أستاذ ملهم وطلاب نجباء ومفردات علمية تعتمد على كتاب الله النازل وما يحمله من معاني لا يفهمها إلا الراسخون في العلم، ووحي السماء النازل على رسول الله والذي كان أهل البيت ورثته وحملته وباثيه بين الأنام.

فتأسست على يدي الإمام الصادق تلك الجامعة العلمية والنهضة الفكرية التي كانت نجما مضيئا في فضاء التراث والتنوير المستقبلي في الحضارة الإنسانية، فساهمت انبعاثة معارفه على الارتقاء بالفكر الإنساني ووضعه على سكة التطوير والازدهار بما قدمه من علوم مختلفة تقوم عليها مختلف التخصصات الدينية والعلمية البحتة كالطب والكيمياء وغيرها، فيكفي أن يعلق على صدر أحدهم وسام شرف بالانتساب إلى مدرسة جعفر بن محمد، ، وكفى بإثبات مصداقية المرء أن يرى على لسانه وسلوكه تربية وتوجيهات ومعارف الإمام .

ومع كل ما نالته الحركة المعرفية لمدرسة الإمام الصادق من أحقاد وعدوانية تكره انتشار أشعة النور العلمي، إلا أن الصدور قبل العقول والقرطاس تبنت وضمت معارف هذا الإمام العظيم، وستبقى مدرسته مخرجة للأجيال العلمية التي تنبذ الخرافات والأباطيل والانحرافات الفكرية والسلوكية، وتبقى هذه المدرسة حية وفاعلة على يدي العلماء الربانيين والنخب الثقافية التي تستمد معارفها من هذا الإمام الهمام، ولا تزال حصنا منيعا يحفظ هذا الإرث العلمي الكبير، وتحت راية الحوار العلمي الهاديء الرصين تتصدع وتتكسر كل الشبهات.