آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

”خواطر حمار“

كتبت الأديبةُ الفرنسية ”دي سيجور“ كتاباً يحكي مذكراتٍ فلسفية وأخلاقية على لسانِ حمارٍ أسمتهُ ”كديشون“، وفي الخواطرِ ما يمكن أن يقوله الحمارُ لنا لو أُعطي القدرةَ على الكلام، محاولاً أن يمحوَ من مخيلتنا ما نقولهُ عن غباءِ الحمار وكسلهِ وسوءِ تصرفه، بل ربما أثبتَ ”كديشون“ أنه أذكى وأبلغ كثيراً من الإنسان، حتى إنه أُعطي لقب ”الحمار العالِم“ الذي يقوم بعددٍ من المغامرات يُظهر فيها قدرته على المكرِ وخداع الإنسان، ويصور نفسه الحيوانَ الشجاع الذي يخاطر بحياته لينقذَ صديقته المقربة منه.

ضمني مجلسٌ ذاتَ ليلةٍ مع مزارع طاف فيها بتذكر مزايا وصفات وأسعار الحمير ومن أحب منها، ثم مغامراته في كيف يروضها وتصبح طيعةً له دون مشاكل. تذكرت في أثناءِ حديثه قبل حوالي خمسين سنة يوم كان للحمارِ سوقاً يباع ويشترى ويتفاخر به الملاك، ويزين بالحناءِ في ألوانٍ برتقالية تلمع من بعيد. كان يُجلب من أماكنَ بعيدة ومختلفة، وتعرف هويته وأصله كما هي السيارات بأنواعها في عصرنا الحاضر.

أنا ممتن ومدانٌ للحمار بكثيرٍ من الخدمة، الحمار الذي كنا نأتي به ونربطه في حظيرةٍ صغيرة وفي محاولةِ إخضاعهِ للطاعة ينال منا الكثيرَ من الإهانة والضرب بالعصا الغليظة. وبعدما يصبح مطيعاً لا يرتاح من الخدمةِ ليلاً ونهاراً ولا يبدي أي استياءٍ من جدول العمل. كان الحمار يظهر بعضاً من صفاتِ الذكاء فمتى ما وُضعت عليه العربة لن يتوقف إلا حين يصل حيثما اعتاد راكبه أن يذهب، لكنه لن يتعرفً على العقبات التي تستجد في الطريق ولا يُقدر البعد بين العربة التي يجرها والعرباتِ الأخرى فربما أقحم الراكبَ في المهالك!

مشكلتي مع الحمار التي منعتني من التصديقِ أنه بإمكانه أن يكونَ ذكياً ومغامراً أو يمتلكَ أياً من صفاتِ البشر السامية هي كالتالي:  كنتُ أنا في بعض الأحيان الموكل بإعطاءه العلف، وحالما أدخل عليه الحظيرةَ حاملاً العلفَ لا ينفك يركلني ويحاول عضي إن استطاع، كل ذلك من أجلِ ربطةِ العشب! وكنت أنا الموكل بتنظيفه إذا اتسخ، وفي أثناءِ تنظيفه يرفع رجلاً ويضع الأخرى على الأرضِ بقوة وكأنه يريد أن يدوسني ويهز رقبته يميناً وشمالاً ليطردنِي بعيداً عنه.

في حقيقةِ هذه الخاطرة أنا أقول للحمار جملةً واحدةً، ولو أنه لن يقرأها ولن يهتمَ بها لأنه لا يقرأ ولم يعد يوجد أصلاً، ولكن الجملةَ قد تنفع غيرهُ من الحيواناتِ الأخرى وهي كالتالي: لا بأسَ إن أردتَ أن تكونَ حماراً فذلك شأنك، ولكن رجاءً لا تركلني فأنا إنسان!

مستشار أعلى هندسة بترول